نعيش في منطقة مليئة بالتوتر، وحياتنا اليومية أصبحت مليئة بالأخبار حول الحروب والكوارث. حتى إذا لم  نكن في قلب الأحداث مباشرة، فإننا على الأقل نتابع الأخبار التي هي، في معظم الحالات، سلبية وقد تؤثر على تركيزنا وصحتنا النفسية. بالطبع ليس منطقيًا ان نعزل أنفسنا تمامًا عن ما يدور حولنا، ولكن تعريض أنفسنا باستمرار لتيار لا نهائي من الأخبار والتحديثات على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى إرهاق عقولنا وحتى اجسادنا أيضًا.

في هذه الأوقات، يشعر بعض الأشخاص بالحاجة الملحة للاطلاع على اخر المستجدات. وجدت دراسة أن واحدة من بين كل ستة أشخاص مدمن على متابعة الأخبار. هؤلاء قد يجدون أنفسهم في دوامة مستمرة من البحث عن التحديثات طوال اليوم للمزيد من المعلومات لتخفيف التوتر، و يستمرون في التصفح على أمل رؤية بعض الأخبار الإيجابية. ومع ذلك، غالبا ما يتسبب هذا السلوك في نتيجة عكسية، حيث كلما غمروا أنفسهم في الأخبار، زاد التأثير على جوانب حياتهم الأخرى على الصعيدين البدني والنفسي. وهو ظاهرة يُشار إليها حديثًا باسم التصفح السلبي(doomscrolling).  (1)

“Doomscrolling” يشير إلى عادة التصفح المستمر عبر الأخبار والمعلومات المحزنة أو السلبية عبر الإنترنت، غالبًا على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بحثًا عن مزيد من تحفيزات الدوبامين  (dopamine hits)و هو الهرمون المسؤول عن السعادة و الادمان ايضا، كما لفت إلى ذلك جودسون بروير  Judson Alyn Brewer ، الطبيب النفسي وعالم الأعصاب والمؤلف في مجالات القلق والإدمان: “من المرجح أنه كلما كانت العناوين أكثر لفتاً للانتباه، كلما زادت تحفيزات الدوبامين “.(2) وعلى الرغم من أن الناس يدعون تفضيل الأخبار الإيجابية، يميل متابعو الأخبار في الغالب إلى الانحياز نحو المحتوى السلبي (3). ويدرك الصحفيين ووكالات الأنباء هذا الاتجاه ويستخدمونه لجذب المزيد من المشاهدين من خلال التركيز على الأخبار السلبية. مثال على هذا التأثير يظهر في موقع روسي حيث  خسر ثلثي متابعيه عندما قرر نشر أخبار إيجابية فقط (4).

كيف تتفاعل صحتنا النفسية مع الأخبار؟

من الضروري متابعة الأخبار للبقاء على اطلاع ومعرفة بواقعك، و لكن التعرض المفرط للاخبار قد يسبب بعض الامور الغير مرغوبة. حيث أظهرت الأبحاث أن الاستهلاك المستمر للاخبار ذات الطابع السلبي يمكن أن يزيد من القلق والحزن، وزيادة المزاج التشاؤمي والذي بدوره ينعكس على تفاصيل الحياة اليومية الشخصي حيث يصبح الفرد اكثر توترا في تعاطيه مع المواقف العادية (5).كيف تتعامل أدمغتنا مع رؤية الاحداث المؤلمه؟ عندما ترى شخصًا في حالة ألم، تتفاعل أجزاء من دماغك بطريقة مشابهة و كأنك تعيش بالألم بنفسك، مما يقدم رؤى جديدة حول كيفية معالجة أدمغتنا للتعاطف، كما أظهرت دراسة سابقة (6). وبالإضافة إلى مشاكل الصحة النفسية، في العالم الحديث، نتعرض باستمرار لمعلومات غير محدودة، وهذه الكمية الكبيرة من الأخبار يمكن أن تكون مرهقة لأدمغتنا التي لا تستعد للتعامل مع هذا الكم الهائل من البيانات (7). ويمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب كبيرة  حيث يكون من الصعب التركيز لفترات طويلة، وإنهاء المهام في الوقت المحدد، وتقل القدرة على إتمام احداث اكثر عمقاً مثل قراءة الكتب و المقالات الطويلة (8،9).

كيف نحافظ على عقولنا بصحة جيدة أثناء متابعة الأخبار؟

كبشر، يرشدنا ضميرنا بشكل دائم إلى الالتزام بمتابعة الأخبار والبقاء على اطلاع على ما يحدث لشعوبنا. ومع ذلك، يصبح الأمر صعبًا، كيف نحقق و نتابع الأحداث بينما نحمي صحتنا النفسية ونحافظ على قدرتنا على القيام بالمهام اليومية. لذا، فإن الوصول إلى نقطة التوازن حيث يمكننا البقاء على اطلاع والتحكم في نفس الوقت أمر شديد الاعمية. فيما يلي بعض الإرشادات المفيدة (10–12).

تحكم في متابعتك للاخبار

في بعض الأحيان، يمكن أن تجعلنا الأخبار نشعر بالإرهاق لأن الكثير من الأمور خارجة عن سيطرتنا. للتعامل مع ذلك، جرب بعض الاستراتيجيات البسيطة. على سبيل المثال، قلل من امساكك بالهاتف لمطالعة آخر المستجدات وضع بعض الحدود. من المهم تجنب استهلاك الأخبار قبل النوم أو في الصباح، حيث يزيد من ذلك من هرمونات اليقظة ومستويات التوتر. يمكنك اختيار فترات محددة في يومك للتحديثات (تفضل 1 إلى 3 مرات)، ثم اترك هاتفك في غرفة أخرى. يمكن أن يساعد إيقاف الإشعارات واستخدام أدوات حظر بعض المواقع في التحكم في استخدام هاتفك الذكي. (13)

افهم حدودك

فكر في سبب شعورك بطريقة معينة تجاه الأخبار. اسأل نفسك إذا كان بإمكانك التحكم في الوضع. تذكر الأشياء التي فعلتها في السابق وجعلتك تشعر بتحسن. غالبًا ما تركز الأخبار على أسوأ الأمور، ولكن لا تنسى أن هناك أشياء إيجابية يمكنك القيام بها.

راقب أفكارك وردود فعلك تجاه الأحداث

كن واعيًا كيف تؤثر الاخبار على مشاعرك. راقب مشاعرك بعد مشاهدة أو قراءة الأخبار وحدد الوسائط التي تبقيك على اطلاع دون أن تسبب القلق. أنشئ طريقة محددة للبقاء على اطلاع وخذ استراحات من دورة الأخبار المستمرة عند الضرورة.

احجز جلسة مع معالج يمكنه مساعدتك فيما يتعلق بهذا الموضوع

( المراجعات)

عرض الصفحة الشخصية

( المراجعات)

عرض الصفحة الشخصية

( المراجعات)

عرض الصفحة الشخصية

( المراجعات)

عرض الصفحة الشخصية

اختر كيفية ردك على الأخبار المحزنة

عندما تقرأ الأخبار وتجعلك الأخبار تشعر بالاضطراب، يمكنك أن تقرر كيف تتفاعل  معها. تحدث إلى الأصدقاء أو العائلة حول مشاعرك. جرب الأنشطة مثل الكتابة الانصراف أو التأمل لتهدئة عقلك. أيضا، خذ استراحات من هاتفك للقيام بنزهة أو جولة. المشاركة في الأنشطة التي تهتم بها يمكن أن ترفع معنوياتك حيث يساعد ذلك في تقليل التأثير العاطفي للأخبار السيئة، مما يمنعك من الوقوع في دائرة اليأس. تعلم المزيد حول كيفية التعامل مع التوتر ووسائل التكيف الصحية. حافظ على روتين صحي بنظام غذائي جيد وممارسة الرياضة.

إذا لم ينجح شيء، جرب شيئًا آخر

نحن جميعًا أفراد، ونستجيب بشكل مختلف للضغوط. إذا حاولت شيئًا لمساعدتك في إدارة علاقتك بالأخبار ولم ينجح، فجرب شيئًا آخر. ما ينجح مع أحدهم قد لا ينجح معك، فقط يحتاج الأمر المزيد من التجربة والصبر على استكشاف الذات.

اتخذ خطوات بناءة

بينما تبدو الأحداث خارج حدود سيطرتك، إلا أنه يمكنك المشاركة في الأحداث بشكل إيجابي. ابحث عن وسائل للتبرع للأشخاص أو المنظمات الموثوق بها. إذا كنت تستطيع التطوع، فقم بذلك وقدم خدمة للأشخاص المتأثرين وابحث عن وسائل لتخفيف الألم. المشاركة في أفعال إيجابية تعزز شعورك بالفعالية وتحول الأخبار السيئة إلى تجربة أكثر إيجابية.

دعم الأطفال والشباب

قد يشعر الأطفال بالارتباك إزاء الأخبار. دعهم يتحدثون عن مشاعرهم. عند التحدث مع الأطفال عن أخبار الحرب، استخدم كلمات يمكنهم فهمها وانتبه إلى ردود أفعالهم و حالتهم العاطفيه. علمهم أن يكونوا لطفاء و يتفهموا معاناة الأشخاص المتأثرين بالأحداث. شجعهم على اتخاذ إجراءات إيجابية، مثل الرسم أو التبرعات، وتأكد من أن المحادثة لا تجعلهم يشعرون بالاضطراب. يجب أن يتم التفكير أيضا في مقدار الأخبار التي يتناولونها والمصادر التي يثقون يطلعون عليها والتأكد من أنها تناسب أعمارهم. علاوة على ذلك، حاول الحفاظ على روتينهم الطبيعي، مثل اللعب مع الأصدقاء أو الذهاب إلى المدرسة. يساعد ذلك في جعلهم يشعرون بالأمان والسعادة. (14)

اطلب المساعدة المهنية عند الحاجة

إذا كانت الأخبار كثيرة جدًا بالنسبة لصحتك النفسية وتؤثر بشكل غير محتمل على صحتك وظيفتك الاجتماعية أو المهنية، فمن المقبول أن تطلب المساعدة. تحدث مع طبيبك أو مستشار أو طبيب نفسي. يمكنهم مساعدتك.

في الاخير، قد تكون الأحداث العالمية خارجة عن سيطرتنا، لكن تبقى بعض الأمور في حدود امكانياتنا مثلا التحكم في مقدار الأخبار التي نطالعها والقرار بالحفاظ أنشطة الرعاية الذاتية بالإضافة الى اتخاذ إجراءات إيجابية تجاه الأحداث مثل التبرع والتطوع يمكن أن تعزز من شعورنا بشكل أفضل عندما يبدو العالم مُرهِقًا.

المراجع

1. McLaughlin B, Gotlieb MR, Mills DJ. Caught in a Dangerous World: Problematic News Consumption and Its Relationship to Mental and Physical Ill-Being. Health Common [Internet]. 2022 [cited 2023 Oct 17]; Available from: https://www.sciencedaily.com/releases/2022/08/220824102936.htm
2. Reading Bad News Makes You Anxious. Here’s How to Stop. | Elemental [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://elemental.medium.com/breaking-your-addiction-to-breaking-news-be8498b9b7c2
3. Trussler M, Soroka S. Consumer Demand for Cynical and Negative News Frames. http://dx.doi.org/101177/1940161214524832 [Internet]. 2014 Mar 18 [cited 2023 Oct 17];19(3):360–79. Available from: https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/1940161214524832?etoc=
4. Russia: “Good news day” decimates website’s readership – BBC News [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://www.bbc.com/news/blogs-news-from-elsewhere-30318261
5. Johnston WM, Davey GCL. The psychological impact of negative TV news bulletins: the catastrophizing of personal worries. Br J Psychol [Internet]. 1997 [cited 2023 Oct 17];88 ( Pt 1)(1):85–91. Available from: https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/9061893/
6. Jackson PL, Meltzoff AN, Decety J. How do we perceive the pain of others? A window into the neural processes involved in empathy. Neuroimage. 2005 Feb 1;24(3):771–9.
7. Why the modern world is bad for your brain | Wu Tsai Neurosciences Institute [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://neuroscience.stanford.edu/news/why-modern-world-bad-your-brain
8. Social media is shortening our attention spans – The Queen’s Journal [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://www.queensjournal.ca/social-media-is-shortening-our-attention-spans/
9. Bowman LL, Levine LE, Waite BM, Gendron M. Can students really multitask? An experimental study of instant messaging while reading. Comput Educ. 2010 May 1;54(4):927–31.
10. How to cope with news anxiety – Mental Health UK [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://mentalhealth-uk.org/blog/how-to-cope-with-news-anxiety/
11. Media overload is hurting our mental health. Here are ways to manage headline stress [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://www.apa.org/monitor/2022/11/strain-media-overload
12. Excessive News Consumption May Harm Mental and Physical Health | Psychology Today [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://www.psychologytoday.com/us/blog/imperfect-spirituality/202209/excessive-news-consumption-may-harm-mental-and-physical-health
13. The Mental Health Effects of War: Backed by Science | University of Utah Health [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://healthcare.utah.edu/hmhi/news/2022/03/mental-health-effects-of-war-backed-science
14. How to talk to your children about conflict and war | UNICEF Parenting [Internet]. [cited 2023 Oct 17]. Available from: https://www.unicef.org/parenting/how-talk-your-children-about-conflict-and-war