التخلص من صدمة التحرش الجنسي في الطفولة

التخلص من صدمة التحرش الجنسي في الطفولة
جدول المحتويات
Toggleالمقدمة
“لا أعرف… هل ما حدث لي كان حقيقيًا؟
ربما تخيلت الأمر… وربما حدث فعلًا.
وماذا لو عرف الناس؟ هل سيصدقون؟
ربما لم يكن يقصد… كنا أطفالًا – لكن، لا! هو لم يكن طفلًا، كنت أنا فقط الطفل.
لماذا ما زال وجهه يطاردني؟ لماذا أشعر أمامه بالضعف والخضوع، حتى الآن؟
ما حدث لم يكن ذنبي.
في العشيرنات من عمري، دخلت عيادة طبيب نفسي أشكو من الاكتئاب، فشل العلاقات، وفقدان أقرب الناس لى… لكن الحقيقة أنني كنت أهرب من شيء أعمق، شيء لم أملك الشجاعة يومًا للتصريح به: لقد فقدتُ الأمان مبكرًا جدًا.
هذه ليست قصة خيالية، بل صوت داخلي لأحد الناجين من التحرش الجنسي في الطفولة.
التحرش في الطفولة ليس مجرد حادث مرّ، بل ندبة قد تمتد لسنوات في صورة قلق، انعدام ثقة، اضطراب في العلاقات، وشعور دائم بالذنب والرفض.لكن… كل طريق مهما طال، يمكن أن يكون له نهاية.
وهذا المقال هو بداية طريق التعافي.”
هل ما حدث كان تحرشًا بالفعل؟
“هل ما حدث كان يستحق هذا الاسم؟ تحرّش؟ لكنني لم أُجبر على شيء أمام الناس… لم يصرخ أحد… لم تكن هناك علامات ظاهرة… فهل يُعتبر ما حدث تحرشًا؟”
هذا الشك في التسمية ليس غريبًا، بل هو شائع جدًا بين الناجين والناجيات من التحرش في الطفولة. لأن كثيرًا مما يحدث في سن مبكرة لا نفهمه وقتها، ولأن المجتمع يربط التحرش فقط بصورته العنيفة، الصريحة، الفاضحة. لكن الحقيقة أن التحرش قد يحدث بصمتٍ مؤذٍ، وبلباس الحنان الكاذب.
حين يلمسك أحدهم بطريقة تُربكك، حين يطلب منك أشياء لا تفهمها لكنك تعرف في داخلك أنها خاطئة، حين يخبرك أن هذه “أسرار بيننا”، وأنك إن أفصحت عنها سيغضب — فهذه ليست علاقات طبيعية. هذه تعديات مغلّفة بالخداع والسلطة والخوف، وهذا هو التعريف الحقيقي للتحرش بالأطفال.
والمؤلم أكثر أن المعتدي أحيانًا لا يكون غريبًا، بل شخصًا نعرفه، نثق به، أو حتى نحبه — وهذا ما يجعل التساؤل “هل هذا تحرش؟” أصعب، وأكثر قسوة.لكن الإجابة التي تستحقها واضحة:
نعم، ما حدث لك كان تحرشًا.
من الشك إلى اليقين: كيف تتوقف عن لوم نفسك؟
“ربما كنت أنا السبب… ربما فهمت الموقف بشكل خاطئ… كنت ساكت، ما قلتش لأ، يمكن دا معناه إني وافقت؟”
قد تحاول الهروب من هذا الصوت الداخلي، لكنه يظهر في تفاصيل حياتك كلها: في توترك أمام الآخرين، في شعورك بأنك أقل استحقاقًا، في خوفك من الاقتراب من الناس، في جلدك لذاتك كلما شعرت بالضعف أو الاحتياج.
تعيش كأنك مضطر لإثبات أنك تستحق الحب، وتبحث – ربما دون وعي – عن مبرر لما حدث، وكأنك تأمل أن تجد تفسيرًا يعيد إليك شعور السيطرة الذي فقدته وأنت طفل.
لكن الحقيقة أن:
ما تعرضت له لم يكن ذنبك، بأي شكل من الأشكال.
وكل ما تشعر به الآن – من غضب، أو خوف، أو ارتباك، أو حتى إنكار – هو جزء طبيعي من الاستجابة لصدمة عميقة.
هذا ليس ضعفًا، بل أثر الجرح.
والشفاء لا يعني النسيان،بل يعني التوقف عن لوم نفسك.أن تنظر إلى ذاتك بعين متعاطفة، وتهمس لطفلك الداخلي:
“أنا أراك، أصدقك، وأعلم أن ما حدث لك لم يكن ذنبك.”
لماذا لا يُصدقك الآخرون، حتى أقربهم إليك؟
“مش يمكن مكنش يقصد؟ أنت متأكد؟”
“مش يمكن كان بيهزر معاك؟ يمكن افتكرك حد تاني؟”
هذه بعض العبارات التي قد يسمعها الناجي من التحرش عندما يقرر أن يشارك أحد أقرب الناس إليه: والده، والدته، إخوته، أو غيرهم.
غالبًا ما يكون هذا الإنكار ناتجًا عن أسباب نفسية لدى الشخص المُتلقِّي للحديث. فهو يدخل في حالة من الإنكار الشديد، لأن مواجهة الحقيقة تعني ضمنيًا اعترافه بمسؤوليته عمّا حدث لابنه أو ابنته.
وقد يضطر كذلك إلى مواجهة أشخاص مقربين له أو من داخل العائلة، مما يسبب له الكثير من المتاعب النفسية والاجتماعية. وهنا، يبدأ العقل في الدفاع عن نفسه من خلال الإنكار، وقد يصل الأمر إلى الهجوم عليك.
لكن، مهما حدث، لا يجب أن يجعل هذا الإنكار – الذي ينبع من أسباب تخصهم هم – يشعرك بخيبة الأمل أو يُزرع داخلك الشك في إحساسك.
فهذا لا يغيّر من حقيقة ما جرى.
أنت تعرضت لهذا الفعل، وهذا واقع لا يُلغى بإنكار أحد.
كيف يؤثر التحرش في الطفولة على حياتك عندما تكبر؟
قد تظن أحيانًا أن ما حدث “انتهى”، وأنه مجرد ذكرى قديمة من الماضي.
لكن الحقيقة أن التحرش الجنسي في الطفولة لا يرحل بسهولة،
بل يترك أثرًا صامتًا… يظهر في تفاصيل حياتك بعد سنين.ربما في علاقتك بجسدك:
تشعر بالنفور من لمسة، أو بعدم الأمان في المواقف الحميمة، أو حتى بعدم القدرة على التعبير عن احتياجاتك.
قد تكره مظهرك، أو تشعر بأنك غير جدير بالحب، وكأنك “مكسور” بطريقة لا تُرى.في العلاقات:
تجد صعوبة في الثقة. تخاف من التقرّب، أو تُسرف في التعلق، أو تختار من لا يراك حقًا. وأحيانًا، تؤذي نفسك دون أن تشعر، كأنك تعاقب الطفل الذي لم يستطع أن يدافع عن نفسه.في قراراتك:
تُشكك في إحساسك، تخاف تقول “لا”، تخجل من رسم حدود.يظل داخلك صوت صغير يقول: “يمكن أنا اللي كنت غلطان.”احجز جلسة مع معالج يمكنه مساعدتك فيما يتعلق بهذا الموضوععرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)التحرش في الطفولة لا يعرّفك، لكنه يترك بصمته.
والتعافي لا يمحو الذاكرة، لكنه يمنحك حقك في أن تعيش بحرية دون سجن الخوف والعار.
كيف تبدأ رحلة التعافي بعد التحرش؟
التعافي ليس طريقًا مستقيمًا، وليس قرارًا يُتخذ مرة واحدة وينتهي الأمر.
هو أشبه برحلة… خطواتها متعرجة، وبدايتها غالبًا تكون من لحظة صدق مع النفس:
“نعم، ما حدث لي كان تحرشًا. ونعم، أنا أستحق الشفاء.”
1. الخطوة الأولى دائمًا هي التصديق – أن تصدق نفسك، مشاعرك، وذكرياتك، حتى وإن أنكرها الآخرون.
في كتاب The Courage to Heal تقول المؤلفتان:
“Healing begins when survivors stop trying to forget and start to remember — not just the facts, but the feelings.”
بمعنى: يبدأ الشفاء حينما نتوقف عن محاولة النسيان، ونبدأ في التذكُّر… لا الحقائق فقط، بل المشاعر التي صاحبتها.
2. ثم تأتي مرحلة التعبير.
قد تكتب، أو تتحدث، أو حتى تصمت وقتًا إلى أن تكون مستعدًا، لكن الأهم: أن تخلق مساحة آمنة لنفسك. المعالج النفسي المؤهّل يمكن أن يكون داعمًا كبيرًا في هذه المرحلة، خصوصًا إن كان يفهم آثار الصدمة.
3. استعادة السيطرة هي جوهر الرحلة:
أن تقول “لا” وأنت مطمئن.
أن تثق في جسدك من جديد.
أن تتعلم أن العلاقة لا تعني الخوف، وأن الحب لا يعني الألم.
4. وأخيرًا، تقبل الذات.
لن تعود كما كنت قبل ما حدث — ولا بأس.
لكن يمكنك أن تصبح شخصًا قويًا، واعيًا، رحيمًا بنفسه وهذا بحد ذاته انتصار.
مرحلة تقبّل الذات وحبّها بعد التعرّض للتحرّش
ربما تكون هذه أصعب المراحل، لأن الناجي غالبًا لا يكره من أذاه بقدر ما يكره نفسه.
يسأل نفسه:
“ليه ما قاومتش؟”
“ليه كنت ساكت؟”
“هل فيّ حاجة خلتهم يعملوا كده؟”
لكن الحقيقة إن ما حدث لم يكن ذنبك. الطفل الذي كنت عليه لم يكن يملك القوة ولا المعرفة ولا الحماية. وما حدث لا يعرّفك، لا يقلل من قيمتك، ولا ينزع عنك حقك في الاحترام والحب والكرامة.
في The Courage to Heal، تقول المؤلفتان:
“Loving yourself may be the most radical healing act of all.”
حب الذات فعل شجاع، فعل ثوري في وجه كل الرسائل التي حاولت إقناعك بأنك لا تستحق.تقبّل الذات لا يعني أنك “راضٍ” بما حدث. بل يعني أنك لا تترك ما حدث يقرر قيمتك أو مصيرك.
هي لحظة تنظر فيها إلى نفسك وتقول:
“أنا ما زلت أستحق أن أُحب.”
” أنا لست ما حدث لي. أنا أكثر من ذلك، وسأعتني بنفسي من الآن فصاعدًا.”
الخاتمة: أنت لست وحدك… نحن هنا جميعًا
في البداية، قد يبدو الأمر محنة قاسية، طريقًا مؤلمًا، واختبارًا لا يمرّ.لكن مع الوقت… مع التعافي، ستبدأ في رؤية المنحة داخل المحنة.
ستتعرف على نفسك من جديد، تكتشف ذاتك، وتفتح في قلبك أبوابًا من الرحمة —رحمة تجاه نفسك، وتجاه الآخرين الذين يعانون بصمت كما كنت تفعل.
ستفهم، ربما لأول مرة، لماذا لم يستطع أقرب الناس إليك أن يصدقوا أو يحتووا. وستختار أن تكسر الحلقة… أن تكون أنت ذلك الحضن الآمن الذي كنت تبحث عنه.
ستتعلم المواجهة، حماية نفسك، حماية أطفالك،وستصل للنضج العاطفي الذي يمكنك من اختيار علاقات صحية، بلا خوف، بلا استغلال.
ولأنك انتصرت على الخوف في أقسى معاركه، ستجد الشجاعة الآن أسهل… والراحة أقرب… والنور أوضح.
كتبتُ لك هذا فقط لأقول:
أنت لست وحدك… نحن هنا، كثيرون، مثلك… نرى، ونفهم، ونسير معًا.