هل نحب حقًا أم نبحث عن مخرج؟ عن الحب كآلية تعويضية”
هل نحب حقًا أم نبحث عن مخرج؟ عن الحب كآلية تعويضية”
جدول المحتويات
Toggleالحب المكوّن الأساسي للحياة
الحب هو الخيط الخفي الذي يربطنا بالحياة، ويمنح اللحظات معناها. من غيره، حتى أبسط التفاصيل تفقد لونها، وتصير الحياة أشبه بمدينة بلا شمس. هو ليس رفاهية ولا ترف نلجأ له وقت المزاج، الحب في جوهره احتياج إنساني عميق، زي احتياجنا للهواء والماء.
وجوده يخلق فينا إحساس بالأمان، ويمنحنا قدرة علي تحمل مصاعب الحياة ويفتح في قلبنا عين ثالثة نرى بها حقائق الأشياء وجمال لا تستطع ان تراه العين وحدها. ويحوّل الوحدة الثقيلة إلى دفء، والغرابة إلى انتماء. بتقول bell hooks في كتابها All About Love:
“الحب الحقيقي مزيج من الرعاية، المودة، الاحترام، الالتزام، والثقة، مع تواصل صادق ومنفتح.”
لكن ما يجعل الحب غامضًا أحيانًا، أن صورته ليست دائمًا نقية. أحيانًا يتخفى الاحتياج في ثوبه، وأحيانًا يطل علينا كشكل من أشكال الهروب. وهنا يصبح السؤال: كيف نعرف إن ما نشعر به هو حب حقيقي، أم مجرد مرآة تعكس فراغًا بداخلنا؟
حين يرتدي شيء آخر رداء الحب
ليس كل ما نشعر به ونظنه حبًّا يكون كذلك حقًّا. أحيانًا، يكون الأمر خوفًا من الوحدة، أو محاولة لملء فراغ داخلي تركه الغياب أو الفقد. في تلك اللحظات، يخدعنا عقلنا، فيمنح هذه المشاعر ثوب الحب، ويقنعنا بأنها الحقيقة التي نبحث عنها. لكن ما يحدث في العمق قد يكون شيئًا آخر تمامًا؛ قد يكون تعويضًا عن حنان افتقدناه، أو رغبة في الهروب من مواجهة جرح قديم ما زال مفتوحًا.
توضح bell hooks في كتابها All About Love أن هناك فرقًا بين الحب الحقيقي وبين ما تسميه “التعلق العاطفي” الذي يجعلنا نستثمر مشاعرنا في شخص أو علاقة، دون أن تتوافر القيم الأساسية للحب: الرعاية، الاحترام، الالتزام، والثقة. ولأننا في أوقات الضعف نتمسّك بأي دفء أو اهتمام، فإننا قد نرى في الشخص الآخر منقذًا، بينما هو في الحقيقة إنسان عادي بحدوده وعيوبه. وهكذا يبدأ الخيط في الالتباس، وتختلط المشاعر بالاحتياج.
الحب كآلية تعويضية بعد الفقد أو المحن
حين يمرّ الإنسان بتجربة فقد موجعة، أو يعبر مرحلة قاسية تبدّد شيئًا من روحه، يصبح بداخله فراغ واسع، كصدى غرفة خالية لا يهدأ. في تلك اللحظة، يشتاق القلب لأي ملمح دفء، لأي يد تمتد نحوه، لأي صوت يهمس بأنه ما زال مرئيًا ومهمًا. وكأن النفس تُمسك بأي خيط عاطفي تجده، لعلّه يرمم الشرخ العميق الذي تركه الألم.
هنا، يبدأ الحب في أداء دور آخر؛ لا يعود فقط شعورًا متبادلًا بين قلبين، بل يتحوّل إلى آلية تعويضية.
أحيانًا، لا ننجذب إلى الشخص لذاته، بل لأن حضوره في حياتنا يتزامن مع جرح لم نلتئم منه بعد. وجوده يمنحنا إحساسًا مؤقتًا بالأمان، وكأنه غطاء دافئ يُسدل على برد الروح، فنشعر للحظة أن كل شيء على ما يرام.
لكن هذا الدفء، مهما كان حقيقيًا في لحظته، لا يملك وحده أن يواجه جذر الألم، لأنه لا يلمس عمقه، بل يغطيه
.bell hooks تحكي عن تلك اللحظة بصدق، فتقول إن سنوات بحثها عن الحب كانت في حقيقتها رحلة للهروب من شعور قديم بالهجر. وكثيرون منّا يسيرون في الطريق ذاته دون أن ينتبهوا. ندخل علاقة بعد علاقة، نُقنع أنفسنا أن الأمر حب، بينما هو في الواقع محاولة لإسكات الأصوات الداخلية التي تذكرنا بما فقدناه. ومع مرور الوقت، نكتشف أن العلاقة كانت أشبه بضمادة وُضعت على جرح لم يُنظَّف، فبقي الألم يعمل في الخفاء.
التمييز بين الحب الحقيقي والحب التعويضي
التفريق بين الحب الذي ينمو في تربة سليمة، والحب الذي يولد من جرح، يشبه محاولة التفرقة بين زهرة برية نبتت بحرية في ضوء الشمس، وزهرة أخرى وُضعت في مزهرية داخل غرفة مغلقة. الاثنان قد يبدوان جميلين، لكن أحدهما يمتد بجذوره في الأرض ويتغذى منها، بينما الآخر يعيش على ما يُقدَّم له مؤقتًا، وسرعان ما يذبل إذا انقطع عنه الماء.
الحب الحقيقي ينشأ حين نكون قادرين على مواجهة أنفسنا، على الجلوس مع ألمنا دون أن نهرب منه إلى شخص آخر. فيه، نختار الطرف الآخر لأننا نراه كما هو، لا لأننا نريد منه أن يرمم ما انكسر فينا. أما الحب التعويضي، فهو غالبًا نتيجة خوف أو فقد، نبحث فيه عن منقذ أكثر من بحثنا عن شريك، وعن دواء سريع بدلًا من شراكة عميقة.
تقول bell hooks إن المعرفة عنصر أساسي في الحب، فالحب ليس انبهارًا عابرًا أو تعلقًا أعمى، بل وعيٌ بمن أمامنا، ومعرفة بحدوده ونقاط ضعفه قبل قوته. الحب الواعي يقف على أرض ثابتة، أما الحب الذي يُبنى على الهروب، فيقف على أرض رخوة، تنهار عند أول هزة.
إدراك هذا الفارق ليس سهلًا، لكنه الخطوة الأولى نحو بناء علاقات تنبت من النضج، لا من الخوف، ومن الامتلاء، لا من الفراغ.
الخاتمة
الحب سيظل دائمًا حاجة إنسانية أصيلة، هو الهواء الذي تتنفسه الروح، والماء الذي يروي عطش القلب. لكن قيمته الحقيقية لا تكتمل إلا حين نعي ما هو، ونفهم الفارق بينه وبين ما يتشابه معه في المظهر فقط. قد يأتي الحب كهدية تفتح لنا أبواب الحياة على مصراعيها، وقد يأتي كستار نحتمي خلفه من مواجهة ما نخشى.
الوعي هو ما يجعلنا نميّز بين الاثنين. أن نسأل أنفسنا: هل أحبّ لأنني أرى الآخر كما هو، أم لأنني أحتاجه لملء فراغ داخلي؟ هل أمد يدي بدافع الامتلاء، أم بدافع العجز عن الوقوف وحدي؟
الحب الذي يستحق أن نتمسك به هو ذلك الذي يضيف لحياتنا، لا الذي نستخدمه كمهرب من أنفسنا. وحين نصل إلى هذه المساحة من الصدق مع الذات، نصبح قادرين على أن نحب بعمق، وأن نُبنى بالعلاقات بدل أن نختبئ داخلها. عندها فقط، يتحول الحب من ملاذ مؤقت إلى بيت دائم، ومن وهم جميل إلى حقيقة تسندنا في رحلتنا.
مقالات ذات صلة
النور بعد الظلام.. رحلة الناجين من السرطان نحو الصحة النفسية
كن لطيفًا مع نفسك ومع الآخرين اليوم وشاهد كيف سيتغير كل شي..
كيف تحمي نفسك نفسيًا في ظل أخبار الحرب والفوضى؟
استعد للعام الدراسي.. ولكن لا تنسَ نفسك!
