تحذير: هذا المحتوى يتضمن موادًا عنيفة.. وقد يكون غير مناسب لمن هم تحت سن ال 18
تحذير: هذا المحتوى يتضمن موادًا عنيفة.. وقد يكون غير مناسب لمن هم تحت سن ال 18
كام مرة كنت على الطريق، والدنيا كانت زحمة والطريق واقف، كلاكسات، صوت عربية إسعاف، المسعف عمال يصرخ ” افتح الطريق.. وسع طريق الإسعاف”، فإنت تخيلت إن الحادثة بعرض الطريق، لكن لما قربت لاقيت العربية اللي عاملة الحادثة في حارة واحدة من الطريق واللي معطل الدنيا إن كل عربية معدية بتقف تبص على الحادثة حتى ولو للحظات، روحت انت بعد ما خدت دورك وبصيت انت كمان ع الحادثة وقولت “يا ستار يا رب”، قولت للي جنبك “شوف الناس هي اللي موقفة الطريق! المصريين دول يا أخي عليهم حاجات!”، عزيزي المصري يسعدني أقولك- لا مايسعدنيش ولا حاجة أنا بتكلم عن حادثة- إن ده مش سلوك مصري دي غريزة إنسانية.
“If it bleeds, it leads”
دي مقولة أمريكية مشهورة في الوسط الإعلامي، ممكن نقول إن معناها إن الخبر اللي فيه دم يتحط في المقدمة، وبمعنى أوضح القصص الإخبارية اللي فيها صور لضحايا وقتلى بتكون نسبة مشاهدتها أعلى من أي قصة إخبارية تانية، لإن الناس لسبب ما بيهتموا يتفرجوا على المواد دي سواء كانت صور أو فيديوهات، أو حتى مشاهد واقعية زي الحادثة اللي على الطريق، مثلًا كتير مننا وقت حادثة حريق قطار محطة مصر، حس إن حاجة جواه بتدفعه وبتزقه يفتح فيدوهات الضحايا ويتفرج عليها رغم بشاعتها، تحذيرات الناس اللي شافتها للي ما شافوهاش، وحذف مواقع التواصل الاجتماعي ليها باعتبارها مواد غير ملائمة للعرض، زوّد رغبتهم إنهم يشوفوها، حتى التحذير الوهمي اللي في أول المقال اللي بتقراه ده ممكن يكون كان دافع ليك تفتحه وتقراه!
طيب هو ده معناه ايه! هل احنا كبشر مثلًا كائنات شريرة بنحب منظر الدم والموت والحرايق! ولا احنا كائنات نكدية بنعشق البؤس والشجن أكتر من الفنان محمد محيي فنروح نتفرج على المآسي والكوارث ونقعد نعيط!، الحمد لله مش هي دي الأسباب اللي بتدفع الناس إنها تتفرج على الكوارث والحوادث والقتلى، ومع احترامي لأستاذ محمد محيي فدي الأسباب العلمية:
-غريزة البقاء
د.جون ماير أستاذ علم النفس بجامعة نيو هامبشاير، بيقول إن الإنسان مزود بشكل فطري بآلية وقائية بتجمع معلومات عن المخاطر والتحديات اللي بتهدد حياته، الآلية دي بتدفعه إنه يبص على تفاصيل الكارثة علشان يجمع بيانات عنها، يعني وانت بتشوف شكل العربية اللي مقلوبة على الطريق، الصورة بتتحول لبيانات بتحفز “اللوزة الدماغية”، وده الجزء المسؤول عن العواطف، تكتيكات البقاء والذاكرة، وفورًا تبعت إشارة للقشرة الأمامية من دماغك اللي بتحلل البيانات دي، فعقلك يقيّم هل الحادثة دي بتشكل تهديد ليك! وبتاخد قرار هل هتواجه ولا هاتهرب! ايه القرار اللي هايحافظ على حياتك! كل ده بيحصل جوه دماغك في ثواني وانت مش مدرك وماسك دريكسيونك عادي جدًا!
– مواجهة مخاوفنا
الموضوع شبه الفرجة على أسماك قرش من ورا إزاز، أو ركوب قطر الموت في الملاهي لو وقعت هاتموت لكن انت مربوط كويس!، لما بنشوف فيديو أو صور لكارثة طبيعية أو حادثة أو حتى مشهد دمار أو عنف في فيلم، فده بيدينا فرصة إننا نواجه مخاوفنا من الموت والوجع والفقد، والتفكير في مشاعرنا تجاه المخاوف دي، وتحليلها بشكل لا إرادي من غير ما نعرض نفسنا لخطر حقيقي أو نكون جزء من الكارثة، وده وفقًا للطبيب النفسي د. ديفيد هندرسون.
– بنحط نفسنا مكان الضحية
أنا منعت نفسي كتير أشوف فيديوهات ضحايا حريق محطة مصر، لكن شوفت فيديو واحد لشخص بتمنى الرحمة والسلام لروحه سواء كان حي أو لأ، كانت النار مشتعلة في كامل جسمه وبيجري على السلم بيحاول يساعد نفسه، مشهد في غاية الرعب خلاني أفكر لو كنت مكانه هاعمل ايه! هاجري! هاتحمل الألم! هاتصرف ازاي! المصابين اللي قُدر لهم عمر جديد لكن مع حروق قد لا يشفوا من آثارها، هل أنا أقدر اتحمل مصير قاسي زي ده! السيناريوهات دي عقلنا بيصنعها علشان يلاقي حلول للكوارث، للنجاة منها، أو التكيف معاها، وبيحاول التخلص من خوفه بإنه يثبت لنفسه إنه ممكن يسيطر على الوضع، زي بوستات ازاي الشخص يتصرف لو لا قدر الله تعرض لحريق وايه هي الإسعافات الأولية.
-القوة السلبية
واحدة من الدراسات اللي نشرتها جمعية علم النفس الأمريكية وجدت إن احنا كبشر بنتفاعل مع تجاربنا السلبية وبنتعلم منها أكتر من تجاربنا الإيجابية، وعلشان كده التجارب السلبية بنفضل فاكرينها وبنستعيد ذكرياتها الحزينة مهما عدى عليها وقت، وده لإن البشر عرضة للتحيز السلبي والقوة السلبية زي ما بيقول الطبيب النفسي د. رينيه كار، غالبًا انت دلوقتي مش فاهم يعني ايه تحيز سلبي رغم إن عقلك بيعمله دايمًا، الانحياز السلبي ده هو الانتباه والإثارة النفسية اللي بتحصل للشخص لما بيتعرض لتجربة سلبية، واللي بتكون أعلى بكتير من الانتباه اللي بيحصل في المواقف الإيجابية، وعلشان كده غصب عننا بنميل للأخبار السلبية دي!
–التعاطف
احنا كبشر مبرمجين إننا نكون متعاطفين، كجزء من تكويننا الوجداني ككائنات اجتماعية، وكل ما حس المشاهد بالتشابه بينه وبينه ضحايا الكارثة، كل ما اهتم وزادت رغبته في إنه يتفرج، يعني لما تشوف الضحايا ملامحهم شبهك، لابسين زيك، ماشيين في شوارع انت لسه كنت معدي منها، هاتحس إن الخطر قريب منك جدًا، فهتتعاطف أكتر، وهاتهتم أكتر، لكن للأسف اهتمامك ده بيعرضك لمخاطر نفسية وجسدية.
الدراسات أثبتت إن تكرار التعرض لمواد عنيفة أو مؤلمة في الأخبار أو من خلال الإنترنت بيعرضك للإصابة بالاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، والضغط المزمن والقلق، ده غير الأعراض الجسدية، يعني مثلًا إحدى الدراسات أثبتت إن 68٪ من المشاركين فيها من متابعي أخبار أحداث 11 سبتمر وقتها عانوا اضطرابات قلق، وحوالي 12٪ عانوا من الإجهاد الحاد، ولمدة 3 سنين بعد حرب العراق زادت معدلات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
ما بنطلبش منك تنعزل عن العالم وتغمض عينيك وتسد ودانك عن الأخبار حواليك، لكن مش ضروري تتفرج على كل حاجة منشورة، ولو مقدرتش تقاوم رغباتك ودوافعك، حاول ده يكون بشكل عابر ومش متكرر، وفي أوقات الكوارث والأزمات والحوادث، حاول تستغل مشاعرك وطاقتك في مساعدة الضحايا، شوف ممكن تساعد ازاي، لإن ده هيساعدك إنت نفسيًا زي ما هيساعد المصابين.
إيمان السيد
كاتبة صحفية ومهتمة بالشأن النفسي
المصادر:
https://pdfs.semanticscholar.org/01a7/c24b2b3ab827410fb8dfc49f05b4fab618ed.pdf
https://www.psychologytoday.com/intl/blog/here-there-and-everywhere/201710/watching-violent-news-video-can-be-hazardous-your-health
Repeated Exposure to Media Images of Traumatic Events May Be Harmful to Mental and Physical Health
https://www.nbcnews.com/better/health/science-behind-why-we-can-t-look-away-disasters-ncna804966
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/25064691