كيفية التعامل مع طفلك إذا تعرض للتحرش الجنسي

كيفية التعامل مع طفلك إذا تعرض للتحرش الجنسي
جدول المحتويات
Toggleتحرش جنسي؟
“تحرش جنسي؟ هذا طفل لا يتجاوز السابعة من عمره! كيف يمكن أن يحدث له ذلك؟ ومِن مَن؟ من شخص نعرفه؟! وأين كنت أنا؟”
نعم، كنت ألاحظ عليه التوتر، والخوف، والعزلة. ظننت أن أحد أصدقائه ربما تشاجر معه.
ولاحظت أنه كان أحيانًا يتبول لا إراديًا أثناء النوم، فظننتها مجرد مرحلة مؤقتة.
“لماذا يا دكتور؟ لماذا حدث هذا؟ هل أنت متأكد؟”
هذا الحوار تكرر كثيرًا داخل عيادات الطب النفسي، حين تكتشف الأم أن طفلها قد تعرّض لتحرش جنسي.
البدايات دائمًا مؤلمة، والصدمة تُحدث ارتباكًا داخليًا لا يُوصف. الإحساس بالذنب قد يتحول إلى سجن داخلي، يُحوّلك إلى شخص عاجز عن المواجهة أو الفعل. لكن تذكّري: هذا ليس خطأك. وليس ذنب طفلك.
دورك الحقيقي لا يبدأ ولا ينتهي بالحماية السابقة، بل يبدأ الآن: في احتوائه، في تصديقه، في النظر لعينيه دون خوف، وفي مساعدته على التعافي، خطوة بخطوة.
ما هي العلامات التي تظهر على الطفل إذا تعرض للتحرش الجنسي؟
التحرش ليس مجرد حادث عابر في حياة الطفل، بل تجربة قد تترك آثارًا نفسية وسلوكية عميقة تظهر بطرق غير مباشرة. من أبرز العلامات التي يمكن أن يلاحظها الأهل:
- الانسحاب المفاجئ أو تغير المزاج: يصبح الطفل أكثر انغلاقًا، يتجنب التفاعل، أو يعاني من نوبات غضب دون أسباب واضحة.
- الخوف الزائد أو القلق المستمر: مثل الخوف من أشخاص بعينهم، أو من التواجد في أماكن معينة، أو البكاء عند الانفصال عن الأم.
- اضطرابات النوم أو الكوابيس المتكررة.
- التبول اللاإرادي: خاصةً إذا كان الطفل قد تجاوز هذه المرحلة سابقًا، ويعود إليها فجأة، سواء في الليل أو حتى أثناء النهار.
- سلوكيات جنسية غير مناسبة لعمره: تكرار كلمات أو حركات جنسية لم يتعلمها من البيئة الطبيعية المحيطة به.
- أوجاع جسدية غير مفسّرة طبيًا: مثل آلام المعدة أو الصداع المتكرر.
- الخوف من الاستحمام أو تغيير الملابس أمام الآخرين، أو رفض الذهاب إلى المدرسة دون سبب واضح.
هذه العلامات ليست دليلًا قاطعًا وحدها، لكنها إشارات تحذيرية تستدعي انتباه الأهل، ويفضّل التعامل معها بحذر وسرعة، واستشارة مختص نفسي عند القلق.
كيف تتصرف الأم إذا لاحظت تلك العلامات؟
حين تلاحظين تغييرات مقلقة في سلوك طفلك – مثل الانعزال المفاجئ، التبول اللاإرادي، نوبات الغضب، الخوف من أماكن أو أشخاص بعينهم، أو حتى استخدام مفردات غير مناسبة لعمره – فمن الطبيعي أن ينتابك القلق. لكن الأهم من القلق هو طريقة استجابتك.
أول خطوة هي التزام الهدوء.
رد فعلك الأولي سيكون له تأثير كبير على طفلك. إذا شعرتِ بالذعر أو الصدمة، قد يشعر هو بالخوف أو الذنب أكثر. تذكّري أن هدفك الأول هو توفير مساحة آمنة له ليشعر أنه مسموع ومُصدَّق.
اقتربي منه بلطف، دون أسئلة مباشرة أو اتهامات.
يمكنك استخدام أسلوب اللعب، الرسم، أو القصص لتشجيعه على التعبير. كما يشير كتاب The Healing Power of Play، فإن اللعب هو وسيلة الطفل الطبيعية للتواصل والتعبير عن مشاعره وتجربته، خاصةً عندما تعجز الكلمات عن وصف ما مر به.
تجنّبي الضغط عليه للكلام.
إذا شعر الطفل أن هناك “تحقيقًا”، فقد يغلق على نفسه أكثر. بدلاً من ذلك، عبّري عن حبك ودعمك وطمئنيه أنك هنا لحمايته، مهما كان ما يريد قوله.
في حال بدأ بالكشف عن شيء مؤلم، استمعي دون مقاطعة أو تشكيك.
عبّري عن دعمك بعبارات مثل:
“أنا معك، وشكرًا لأنك أخبرتني.”
“أنت شجاع جدًا.”
“ما حدث ليس خطأك أبدًا.”ثم، توجهي فورًا إلى مختص نفسي متخصص في صدمات الطفولة.
التقييم المهني ضروري لتحديد ما يحتاجه الطفل تحديدًا، سواء جلسات دعم نفسي، أو تدخلات علاجية أعمق.
ماذا تفعل الأم في حالة غياب الأب لأي سبب وتعرض ابنها للتحرش؟
في كثير من البيوت، تمثّل الأم صمّام الأمان الوحيد لطفلها، خاصة عند غياب الأب لأي سبب، سواء كان الغياب بسبب الوفاة، الانفصال، السفر، أو حتى الانشغال الدائم. وفي هذه الحالة، يقع على الأم عبء مزدوج: احتواء الصدمة، وطمأنة الطفل، والقيام بالدورين معًا — العاطفي والداعم.
أول خطوة: تصديق الطفل.
قد يكون من الصعب تقبّل الأمر، خاصة إذا كان المعتدي من داخل دائرة الثقة، لكن التصديق دون شك أو اتهام يعيد للطفل إحساسه بالأمان وكرامته.
ثانيًا: ابحثي عن دعم نفسي:
ابحثي عن دعم نفسي متخصص، سواء لنفسك أو لطفلك. العمل مع معالج نفسي مدرّب في حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال سيساعد في بناء خطة تعافٍ مدروسة تحمي الطفل من المضاعفات النفسية طويلة الأمد.




ثالثًا: حافظي على روتين ثابت وبيئة آمنة.
الطفل في هذه المرحلة بحاجة للشعور بالثبات، أنك لن تتخلّى عنه. حتى لو كنتِ تشعرين بالضعف أو الغضب أو الذنب، أظهري له أنك قادرة على دعمه، وأنك ستظلين بجانبه.
رابعًا: لا تلومي نفسك.
ما حدث ليس نتيجة تقصيرك كأم. وجود أم قوية بجانب طفلها هو أكثر شيء يحتاجه الآن، فكوني قوية من أجلك وأجله.
خامسًا: ثقي في سحر الكلام:
ربما ما تعرض له طفلك كان سيئًا وشيئًا صعبًا، ولكن أنتِ لا تعلمين سحر كلامك ومدى تأثيرك عليه. الأطفال يشعرون بأهلهم ويتأثرون كثيرًا بكلامهم، كلمة صادقة منك قد تمحو أثر ما تعرض له.
كل ما تحتاجينه حقًا أن تكوني بخير، أن تكوني صادقة معه. هذا التواصل هو الحل الوحيد لأي مشكلة. لا تقلقي.
كيف يبدأ طريق التعافى؟
طريق التعافي لا يبدأ بخطوة واحدة، بل بسلسلة خطوات دقيقة، حانية، ومستمرة. هو طريق لا يُقاس بالزمن، بل بالحب والصبر والاحتواء.
أولًا: الاستجابة الآمنة.
أول استجابة يتلقاها الطفل بعد الكشف عمّا تعرض له تُشكّل حجر الأساس في رحلته نحو التعافي. لذلك، من الضروري أن يشعر بالأمان، والتصديق، وعدم التوبيخ. لا تسأليه “لماذا لم تخبرني؟”، بل قولي: “أنا آسفة أنك مررت بهذا، وأنا هنا الآن لأساعدك.”
ثانيًا: المعالجة النفسية.
من المهم اختيار معالج مدرّب على العمل مع الأطفال ضحايا الاعتداء، شخص يفهم صدمة الطفل، ويملك الأدوات لمرافقته في استعادة شعوره بالقيمة والثقة مرة اخرى.
ثالثًا: التمكين لا التقييد.
بدلًا من الخوف الزائد والمراقبة المشددة، علّميه أن جسده ملكه، وأن له الحق في قول “لا”، وفي التحدث عن أي شيء يزعجه. التثقيف الجنسي المناسب لعمره جزء مهم من التعافي، لأنه يُعيد له ثقته بنفسه وبحدوده.
رابعًا: إصلاح العلاقة بالعالم.
الطفل الذي تعرض لتحرش غالبًا ما يرى العالم مكانًا غير آمن. ساعديه على بناء علاقات جديدة آمنة، على اللعب، على الضحك، على استعادة سعادته.
خامسًا: اعتني بنفسك لتعتني به.
لا يمكنك أن تساعدي ابنك وأنتِ منهارة. لا تخجلي من طلب الدعم، من التحدث لمعالج، من البكاء إن لزم الأمر. لأن تعافيه يتطلب تعافيك أنتِ أيضًا.
طريق التعافي ليس سهلًا، لكنه ممكن، وهو لا يعيد فقط ما كُسر، بل يبني داخله — وداخلكِ — قوة ووعيًا وحنانًا ما كنتم لتعرفوه من دونه.
نصائح للأمهات لنشأة صحيحة للابن لحمايته من التعرض لأي أذى
تنشئة طفل واثق، يعرف جسده وحدوده، ويتحدث بثقة وبدون خوف، هي خط الدفاع الأول ضد أي محاولة أذى أو استغلال.
ليس المطلوب أن نزرع الخوف في الطفل، بل أن نزرع فيه الوعي.
- علّميه حدود جسده: اجعليه يعرف أن جسده ملكه، لا يحق لأحد لمسه دون إذنه، حتى لو كان شخصًا يعرفه. واستخدمي أسماء الأعضاء الصحيحة، بلا خجل أو تلميح، ليعرف التعبير عن نفسه بوضوح إذا احتاج.
- شجّعيه على الكلام: افتحي معه حوارًا يوميًا عن مشاعره، عن يومه، عن ما يزعجه أو يفرحه. الطفل الذي يشعر أن صوته مسموع، سيبوح إن شعر بالخوف أو الانزعاج.
- لا تستخدمي الخجل كوسيلة تربية: لا تقللي من مشاعره، ولا تضحكي على أسئلته. فالشعور بالخجل يمنع الطفل لاحقًا من طلب المساعدة أو التبليغ عن الأذى.
- راقبي سلوكياته دون تهويل: راقبي التغيرات في سلوك طفلك بلطف، دون توتر أو توجس دائم. الاطمئنان لا يعني الإهمال، والحماية لا تعني الشك في الجميع.
- ثقي بحدسك كأم: إذا شعرتِ أن شيئًا غير طبيعي يحدث، تحركي. لا تنتظري إثباتًا واضحًا أو دليلًا قاطعًا. حدس الأم أصدق مما نظن.
- اجعليه يراكِ نموذجًا في حماية نفسك واحترام ذاتك: فالأطفال يتعلمون من الأم قبل الكلمات. طريقة تعبيرك عن مشاعرك، طريقتك في وضع حدودك، وصراحتك معهم… كل ذلك يبني بداخلهم وعيًا لا يُقدّر بثمن.
رسالة لكل أم
أنتِ الحضن الأول، والأمان الأعمق، والحد الفاصل بين الخوف والنجاة.
لا تحتاجين أن تكوني مثالية، فقط كوني صادقة، حاضرة، ومُنصتة.
طفلك لا يبحث عن أم تعرف كل الإجابات، بل عن أم تمسك يده حين تضيع منه الإجابات كلها.
ثقي أن وعيك اليوم، ومحبتك، واحتواءك، يمكن أن يصنعوا فرقًا يمتد لعمره كله.
وأنك، في كل لحظة صبر ومحبة، تزرعين في قلبه حصنًا منيعًا ضد الأذى.
مقالات ذات صلة
اضطرابات التحكم في الدوافع عند الأطفال: الأسباب، المشاكل، وطرق التعامل معها

الإنترنت و التشخيص الذاتي

هل الشاشات هي العدو الخفي لعقولنا؟

الصديق العدو، إزاي نقدر نتعامل مع الأشخاص السامة والسلبية في حياتنا؟
