صورتك في عيون الآخرين تبدأ من صورتك الذاتية
صورتك في عيون الآخرين تبدأ من صورتك الذاتية
الصورة الذاتية التي نصدقها عن أنفسنا ليست وليدة اللحظة أو الموقف الذي نمر به، وإنما هي صورة لها تاريخ طويل يعود للطفولة، الوقت الذي تتكون فيه نواة الشخصيات التي سوف نكون عليها السنوات القادمة من العمر.
تلك الصورة التي نرسمها عن أنفسنا في الطفولة تدور حول قناعتين: الكفاءة والقبول، وذلك طبقا للتكوين النفسي والمعرفي الخاص بالمدرسة المعرفية في علم النفس.
أولا قناعة الكفاءة:
تحمل تلك القناعة قدرة الفرد على الفشل والنجاح، فهناك من تربت لديه قناعة أنه شخص فاشل، وذلك من خلال رسائل تلقاها من الأهل والمحيط الاجتماعي أثناء فترة الطفولة، حتى استقر في وجدانه أنه شخص غير كفء، وبالتالي يري الفشل في كل شيء على طريقه، بداية من العلاقات ونهاية بحياته العملية، وتظل تلك القناعة تلازمه حتى وإن أحرز إنجازات حقيقية في حياته، يظل مطاردا بتلك الرسائل الراسخة في إدراكه. وعلى العكس نجد آخرين وصلت إليهم رسائل أخرى عكسية في فترة الطفولة، تجعلهم أكثر تصديقا لكفاءتهم وقدرتهم على النجاح.
ولكي يكون الأمر أقرب إلى السواء، فالرسالة الأفضل على الإطلاق هي الاحتمالية، وتعنى أن يري الفرد نفسه قادرا على النجاح ومعرضا للفشل أيضا، أي يتقبل الفشل دون أن يصم نفسه بالفاشل، ويشعر بالنجاح كنتيجة لجهده وإخلاصه في الأداء وليس لأنه ناجح كصفة أصيلة، وتلك الاحتمالية هي النظرية السوية التي لابد أن نحاول دوما تعلمها وتطبيقها، بالطبع لدينا جميعا قناعات نصدقها عن أنفسنا، لذلك فالاحتمالية هي قناعة معرضه للتصادم مع واقعنا وعلينا أن نظل نجربها ونتوازن معها وبها خلال رحلتنا في الحياة.
ثانيا قناعة القبول:
وهذه نعني بها مدى تصديق الفرد لحقه في الحب، وهي لا تختلف في تكوينها عما سبقتها، فهي أيضا رسائل تصلنا في الطفولة، ثم تصبح رغما عنّا ومع تقادم العمر جزءاً أصيلا منا، نتعامل معه كأنه الأصل فينا.
فمنا من يري نفسه جديرا بحب الآخرين، وقيمته في ذاته وليست فيما يستطيع فعله أو في علمه أو مكانته، ويصدق أنه يستحق الحب غير المشروط، وأنه مقبول دون محاولات للتجميل، فعندما تصلنا رسائل في فترة الطفولة تشبع لدينا قبول العالم الصغير لنا “وهو الأسرة”، تمر السنوات وترسخ لدينا فكرة “أننا أشخاص مقبولون ونستحق الحب”.
وهناك من تصله رسائل عكسية أيضا، فيرى أن قبوله مشروط بما يستطيع تقديمه، فتكون لديه قناعة تقول” لازم أقدم تنازلات عشان أتحب”، وتلك القناعة تكمن خطورتها في أنها تعرض صاحبها لعلاقات مسيئة وغير آمنة، بل أحيانا تجعله يقوم بسلوك يلقب ب”تسول الحب”، مما يجعله وبسهولة مستعدا للإصابة بعدة اضطرابات نفسية حقيقية.
وكما تحدثنا عن الاحتمالية في قناعة الكفاءة، فالقبول أيضا يفضل أن نتعامل معه بنفس تلك الوسطية، أي يصدق الفرد أن قيمته غير مشروطة، وأيضا أن يتعامل مع قبول أو عدم قبول الآخرين له بمرونة، أي دون فخر أو خزى في هاتين الحالتين.
وبذلك تكون الصورة الذاتية أقرب إلى السواء، عندما تتم معالجة أكثر القناعات تأثيرا على مئات الأفكار التي تولد لدينا بشكل يومي، فالكفاءة والقبول يعدان أهم المحركات للسلوكيات التي نقوم بها، وبالتالي عندما نعيد صياغتها بقناعات تميل إلى الاحتمالية، تتغير السلوكيات المعبرة عنها، وخاصة إن كانت سلوكيات دفاعية نعبر بها عما تسببه لنا تلك القناعات من ألم نفسي.
وأخيرا فالصورة الذاتية هي الترجمة النفسية لما نقول عنه “الثقة بالنفس”، فبعد قراءة ما سبق حاول تطبيقه على ثقتك بنفسك، سوف تجد أن ما يحركها هما فكرتان في شكل أسئلة وهي:
1-“هل أنا فاشل ولا ناجح”؟
2-“الناس شايفنى ازاى؟طب هيقولوا عليا أيه؟”
3-“الناس بتحبنى انا ولا لازم أقدم تنازلات؟”
4-“هو انا لازم أعمل كل حاجة صح عشان أبقى ناجح ومقبول؟
والكثير من تلك النوعية من الأسئلة التي تصب في النهاية في ثقة الفرد بنفسه من عدمها، فالصورة التي نرسمها لأنفسها ونصدقها هي التي تصنع تلك الثقة أو تنقص منها، فعكس ما هو معروف عن الثقة بالنفس من كونها مستمدةً من صورنا في عيون الآخرين، هي في حقيقتها صورنا التي رسمناها نحن وصدقناها وجعلنا الآخرين يرونها ويصدقونها. لذا فلنبدأ من داخلنا ونطلب صورا متزنة عن أنفسنا قبل أن نطلب من الآخرين أن يرونا كما نحب أن يرونا.
*كتبته لشيزلونج: ريم سعيد