هل طال علاجي النفسي أكثر من اللازم؟
هل طال علاجي النفسي أكثر من اللازم؟
ليس مستبعدا ولا مستغربا أن يتساءل المريض الخاضع للعلاج النفسي بعد فترة من العلاج إن كان علاجه قد طال أكثر من المتوقع أم أنه يسير في إطار زمني متناسب مع حالته.
وربما يعود هذا الشاغل لعدة أفكار تدور في ذهن المريض النفسي، مثل فكرة أن يكون تعافيه بطيئا وأنه أوشك على أن ينهك معالجه النفسي، أو أن يخشى أن يتحول لـ “مدمن” على العلاقة مع طبيبه المعالج، أو يكون اعتماديا في تلك العلاقة عاجزا عن استكمال حياته بدون هذا النوع من الدعم، أو كأن يفكر المريض في أن طول فترة علاجه النفسي مؤشر على صعوبة حالته فتبدأ لديه تساؤلات حول إمكانية التعافي الحقيقي، كما وقد تسلم هذه الأفكارُ المريضَ إلى الشك في قدرات الطبيب المعالج والشعور بأنه غير قادر على الخروج بحالته من النفق المظلم.
والحقيقة أن الأشخاص يلجأون للعلاج النفسي الإكلينكي للتعرف على أنفسهم أكثر أو للحديث عن مشكلات حياتهم الأكثر تعقدا، أو لإعادة تأهيل أنفسهم لمواصلة الحياة بصورة طبيعية بعد حادث مؤلم أو صدمة كبيرة، وبالتالي فإن الهدف من عملية العلاج النفسي لا تكون بالضرورة له نتائج متوقعة محددة وواضحة، وهنا ندرك أن السرعة ليست معيارا ملائما لنجاح العلاج النفسي.
كما أن العلاج النفسي قد يكون مرتبطا بتطوير الشخصية ودفعها لأن تكون فاعلة وإيجابية ومنفتحة على خوض التجارب، وهذه أهداف غير سهلة وتحتاج غالبا لأمد طويل، كما أن الأشخاص في هذا النوع من العلاج النفسي يطلب منهم تفكيك الطريقة التي اعتادوا بها أن ينظروا إلى أنفسهم وإلى العالم وأن يعيدوا بناء نظرة جديدة وهو ما قد يلزمه وقت طويل لدى بعض الأشخاص، والمعالج النفسي المحترف لن يفكر في دفع مرضاه نحو الإسراع في إتمام مثل هذه العملية الصعبة والمعقدة،وبالتالي فإن مدة العلاج ستتوقف غالبا على استجابة المريض.
و من بين الأسباب التي تجعل العلاج النفسي يطول كذلك، بالإضافة إلى جاهزية المريض لخوض رحلة العلاج، أن الكثير من الناس يستهلكون وقتا طويلا قبل الاقتناع بضرورة بدء العلاج النفسي، وخلال تلك الفترة التي تسبق اتخاذ القرار تكون قد تراكمت لديهم بالفعل الكثير من الأنماط السلوكية الخاطئة والمشاعر السلبية ما يجعل مشكلتهم أكثر تعقدا وبالتلي رحلتهم للعلاج وفض الاشتباك أطول.
أحد أهم الأسباب أيضا وراء طول فترة العلاج النفسي أن الناس يقاومون التغيير طيلة الوقت حتى بعد أن ينخرطوا في عملية علاج نفسي جوهرها إحداث تغيير حقيقي، كما أنهم يبدأون رحلة العلاج النفسي وهم منشغلون بإنهائها والخروج من مأزقهم والعودة إلى ممارسة الحياة، ويكون ذلك على حساب الانشغال بإجابة السؤال: “كيف وصلنا إلى هذه النقطة الحرجة التي نحتاج معها إلى مساعدة طبيب كي نستأنف حياتنا؟”
بعبارة أخرى فإن ما يريده المريض لدى لجوئه للعلاج النفسي هو أن يعطيه الطبيب بعض النصائح السريعة أو يلقي الضوء على بقعة مظلمة من نفسه بحيث يعيده إلى القدرة على ممارسة أنشطته التي اعتاد أن يمارسها قبل أزمته، وذلك بدلا من أن ينخرط في عملية علاجية حقيقية تسعى لإحداث تغيير جذري وطويل الأمد في نفسيته وبالتالي في حياته كلها، خاصة أننا جميعا نحب أن نلزم ما ألفناه من طرق تفكير وسلوك ونشعر بالأمان والارتياح بدرجة أو بأخرى مع عدم تغيير حياتنا بصورة جذرية، في حين أن العلاج النفسي يشبه في حقيقته مشروع تجديد منزلك، الذي قد تبدأه على أمل أن تنهيه في أسابيع محدودة، لكنك تفاجأ بأن العطب قد طل أجزاء كبيرة من المنزل لم تكن ملتفتا إلى ضرورة التعامل معها، كمان أنك قد تستمر طويلا في إضافة لمسة زائدة هنا أو هناك لتجد نفسك بحاجة إلى مزيد من العمل والوقت، وهو ما لم تكن لتفكر فيه قبل أن تبدأ عملية الترميم والتجديد.
وعن هذا الأمر، ومن واقع خبرتها تقول ماي بناتار، المعالجة النفسية الأمريكية التي تمارس العلاج النفسي العيادي وتحاضر فيه كمجال تخصصها منذ سبعينيات القرن الماضي، إن العلاقة التي تنشأ بين المريض والطبيب المعالج في المجال النفسي هي حجر الزاوية في إتمام العملية بنجاح، ويتوقف عليها كذلك مقدار الوقت الذي ستستهلكه رحلة العلاج. فقدرة الطبيب على كسب ثقة المريض الذي يتابع رحلته هي أمر مهم كي تبدأ الرحلة بالفعل، وهو أمر صعب إذا أخذنا في الاعتبار أن أغلب الأشخاص الذين يلجأون للعلاج النفسي هم بالأساس خارجون لتوهم من علاقات صادمة أو تجارب دمرت ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين، بينما نجد فصيلا آخر من المرضى هو جزء من علاقة مسيئة تسستنزفه لكنه لا يدري أن هذا الاختيار الذي صنعه بدخول هذه العلاقة وعجزه عن الخروج منها له دوافع نفسية خفية تحتاج لمساعدة الطبيب كي يتمكن من رؤية نفسه في العلاقة بصورة صحيحة، وهذه أيضا عملية منهكة للطبيب وتستهلك وقتا كي يبدأ العمل الفعلي الذي يرجى معه أن يحدث تغييرا حقيقيا في وعي المريض بنسه قبل أي شيء.
لذا فإنه قد يكون من المفيد للمريض المقبل على طلب العلاج النفسي أن يكون مؤهلا نفسيا لأن يخوض رحلة قد تحتاج عدة جلسات تقصر أو تطول، وألا يتعجل انتهاء العملية، وأن يدرك أن طبيبه يحتاج للوقت الكافي كي يستكشف طريقه بحساسية ووعي داخل مساحات غالبا ظلت مغلقة لوقت طويل.