عن المكون النفسي لعلاج الإدمان
عن المكون النفسي لعلاج الإدمان
بداية لابد من إدراك حقيقة أن علاج الإدمان ليس مجرد عملية تهدف إلى إزالة السموم من الجسد الذي اعتاد الاعتمادية على المادة المخدرة وإنما هو بالأساس عملية ثنائية المسار تقوم في أحد شقيها على تعديل اضطراب الشخصية او الاضطراب النفسي الذي أسلم المتعاطي إلى الإدمان في المقام الأول، بحيث تتمثل النتيجة النهائية في قدرة هذا الإنسان على الاستغناء عن المادة المخدرة والعودة إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي ليندمج في محيطه بأكبر قدر ممكن من السلاسة والقدرة على الإنتاج ومواجهة مشاكله بشجاعة.
وباختصار فإن إزالة السموم من جسم المتعاطي يكون تهيئة أولية لنبدأ في استكشاف السبب النفسي الذي انتهي بالمتعاطي للإدمان. هناك نظرية مهمة تعرف بالـ Self Medication Theory ونعني بها أن المريض النفسي لا يسعى إلى أن يشعر بالسعادة أو الانتشاء فقط بتناول المادة المخدرة وإنما يلجأ إليها لتسكين الألم الناتج عن مشكلة نفسية يعاني منها ولا يستطيع التعامل معها دون مساعدة وربما لا يملك الشجاعة أو الوعي الكافيين لطلب السماعدة المتخصصة في شأنها.
فمن المألوف أن نجد مثلا لدى الاشتباك مع المدمن في عملية علاجية أن قضيته الأساسية أنه مصاب بالـ social phobia وأنه لم يلجأ لتعاطي الترامادول على سبيل المثال إلا لكي يتغلب على القلق الشديد الذي يعاني منه لدى التعامل مع محيطه الاجتماعي، فهو يسعى من خلال التعاطي إلى طلب الشعور بالهدوء وعدم الخوف في حضور الآخرين.
نجد مدمنين آخرين يعانون من مشكلة القلق النفسي وهؤلاء كذلك قد يلجأون إلى المادة المخدرة لنفس السبب وكذلك الحال مع مشاكل سرعة القذف التي يلجأ معها المدمن إلى استخدام المواد المخدرة من تلقاء نفسه بهدف لتأخير العملية، وهذه كلها نماذج لحالات تتعاطى لمغالبة مشكلات نفسية لدى المتعاطي الذي لا يدرك على الأرجح أنه طالما ظلت المشكلة قائمة سيظل يعاود اللجوء للمادة المخدرة كلما ألحت عليه أزمته أو اضطرابه.
مكونات عملية العلاج النفسي للمتعافي من الإدمان:
وعليه فعلاج الإدمان في شقه المتعلق بالعلاج النفسي العيادي يحتاج لأن يقوم على عدة قوائم:
- العمل على منع الانتكاس: وبه نعني التعامل مع “الفكرة” أو الرغبة في الرجوع للمخدر
- تدريب المتعافي من الإدمان على التعامل مع الناس وكيفية الدخول في العلاقات صحية ومتوازنة وتعريفه بمهارات توكيد حقوقه وسط محيطه الاجتماعي وحفظ مساحاته الخاصة من تطفل الآخرين أو تدخلهم في حياته بشكل مفسد أو متحكم على غير رغبته.
- تدريب المتعافي على إدارة مشاعره، وهذه مهارة غاية في الأهمية يحتاج المعالج النفسي الذي يتعامل مع المتعافي من الإدمان أن يعمل عليها بوعي وصبر، لأن المدمن غالبا لم يلجأ إلى الإدمان إلا لأنه فشل في إدارة مشاعره ولأنه تملك منه الخوف من الألم المصاحب لمشاعر مثل الوحدة والحزن، وعليه فإنه سيكون على المعالج أن يصاحب المتعافي في رحلة يدربه فيها على فهم مشاعره والتعامل معها بنضوج.
- تنمية مهارة التواصل والتعبير عن النفس: وقد لوحظ مه تراكم الخبرات في مجال العلاج النفسي للمدمن على المواد المخدرة أنه في كثير من الأحيان لا يملك حصيلة لغوية تمكنه من التعبير عن ألمه، أو لا يملك القدرة على توصيل مشاعره للآخرين حتى المقربين منه ما يسلمه إلى شعور دائم بالاغتراب حتى وسط من يحب.
- تمكين المتعافي من إدارة الأزمات أو المشاكل دون تهويل ولا تضخيم ولا هروب
- تغذية الروحانيات: وتشتمل “الروحانيات” هنا على عدة مستويات، المستوى الأول هو التعامل مع الذات وإدراك المتعافي لكيانه وصورته الذاتية، ومستوى التعامل مع الله أو القوى العليا التي يؤمن بوجودها، ومستوى التعاملات مع الناس وإدراك ما يأخذونه وما يمنحونه في العلاقة، وأخيرا إدراك المتعافي مكانه من الحياة وما هو قادر على فعله وتقديمه وإحرازه كفرد.
الإدمان والتشخيص المزدوج:
كمعالج نفسي، فإن العمل مع مريض إدمان غالبا ما يسلمنا إلى “التشخيص المزدوج”، حيث نكتشف أن المدمن مصاب باضطراب نفسي أو اضطراب شخصية، وهنا نبدأ بوضعه على مواد دوائية ملائمة لحالاته كمضادات الاكتئاب أو أدوية الفصام، وبالتوازي فإننا نحتاج إلى علاج عيادي وجلسات نفسية لإحداث تعديلات سلوكية أو معرفية سلوكية، وقد نلجأ لما يعرف بالـ dynamice therapy وهذا مستوى علاجي أعمق، وكلها طرق علاجية من المنتظر أن تتكامل مع بعضها البعض بهدف أن المتعافي يعود تدريجيا للحياة بصورة طبيعية.
علاج الإدمان بين المصحة والمنزل:
هناك ما يعرف بمؤشرات العلاج: placement criteria وهي المحددات التي نقرر على أساسها إذا كان المتعاطي سيخضع للعلاج المنزلي أم أنه الحالة تستدعي أن يودع المدمن بالمصحة أو المستشفى المتخصص، ومن بين هذه المعايير شدة المرض، الأمان في البيت، التحكم في بيئة البيت ولأي مدى هي آمنة، مع مراعاة أن احتمالات انتكاس المدمن تكون في أعلى حالاتها في المراحل الأولى من العلاج. والحقيقة أن نسبة غير قليلة يمكنها في الحقيقة أن تخضع للعلاج بالمنزل مع متابعة طبية شبه يومية للمريض دون أن يغادر مكانه، لكن بعض الحالات يصعب معها التحكم في بيئة المريض ويستحسن معها أن تخضع الحالة للمراقبة الدقيقة في الفترة الأولى بالمصحة.
بالنسبة للأشخاص الذين يقرر لهم العلاج بالمنزل، فإننا بعد إزالة السموم نبدأ البرنامج العلاجي مع الحالة دون أن يغادر منزله إلا لطلب الجلسات النفسية في العيادة حيث يخضع للجلسات الفردية و وسط مجموعات علاجية، وفي هذه المرحلة نحاول أن نوسع دائرة معارف المريض من المتعافين وأن نبعده عن البيئة التي كان يتعاطى فيها وشبكة العلاقات التي ارتبطت لديه بالتعاطي.
أهم تحديات علاج الإدمان بالمنزل:
علاج مريض الإدمان في بيته يتسم بعدة مميزات منها أنه يتطلب جهدا أقل كما أن تكاليفه محدودة مقارنة بالحجز في المصحة، بالإضافة إلى أنه يوفر سريرا علاجيا لمريض آخر لا تسمح حالته بالعلاج عن بعد. أضف إلى ذلك أن المتعافي يشعر وه في منزله أنه محاط بأسرته ما قد يكون عاملا داعما في مراحل العلاج الأولى، خاصة أنه في أغلب الأحوال يستطيع العودة إلى ممارسة عمله تدريجيا و خلال فترة قصيرة من بدء العلاج.
لكن التحدي الأكبر في علاج الإدمان يكون في التحكم عن بعد في أفكار الانتكاس التي تحتاج إلى متابعة عن كثب وفي ضمان ابتعاد المتعافي عن شبكة علاقاته القديمة التي تشجعه على التعاطي.
علاج الإدمان ومراحله:
هناك أرضية لابد من إرسائها قبل بدء عملية العلاج، ذلك أن العلاج النفسي عموما وعلاج المدمن على وجه الخصوص يحتاج لأن يكون المريض نفسه طرفا فاعلا في العملية العلاجية، لذا فالخطوات الأولية للعلاج تشمل التالي:
- تعريف المتعاطى بالمعلومات الطبية عن طبيعة المادة المخدرة وتأثيره الوقتى وتأثيره طويل المدى وكيف يعمل وكيف يتسبب فى أذى للشخص ولمن حوله .
- إعطاء وقت للتغيير، إذ ليس من المتوقع أن يطلب المتعاطي العلاج بمجرد إخباره بآثار تعاطي المخدر بل إن الأمر يحتاج لعملية استيعاب واقتناع ومدة زمنية لاتخاذ القرار، وقد يحتاج بعض المتعاطين إلى إجراء ” المقابلات الدافعية ” وهو الإجراء الذي يتم عمله مع المتعاطين عموما مع التركيز على غير الراغبين فى العلاج أو من يعانون من إنكار واقعهم ومشكلتهم .
- استخدام العلاجات الدوائية اللازمة عند الحاجة إليها كمضادات الاكتئاب التى تتعامل مع العصبية ومع عسر المزاج والكسل . كذلك الأدوية التى تساعد على النوم وتنظيم الشهية وتقوية الجهاز العصبى .
- العلاج النفسى؛ وهذا يتضمن العلاج المعرفى أو السلوكى أو الجمعى ويهدف إلى منع الانتكاس.
- علاج أى إضطرابات نفسية مصاحبة لعملية الإدمان . فالكثير من متعاطي المواد المخدرة يعانون من اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق أو الاكتئاب أو اضطرابات الشخصية أو فرط الحركة أو غيرها، وعندما يكون الشخص متعاطى وفى نفس الوقت يعانى من اضطراب نفسى مصاحب فإننا نكون إزاء حالة “تشخيص مزدوج”. وفي هذه الحالة، فإن تجاهل الاضطراب النفسى المصاحب يجعل أى علاجات تقدم للإدمان بمثابة مسكن لا يعالج صلب المسألة.
- العلاج الأسرى: وهذا العامل فاعل ومؤثر، لذا فإنه ينصح بإدماج الأسرة فى عملية علاج إدمان الحشيش بعد تثقيف أفراد الأسرة حول طبيعة المادة الإدمانية وخطورتها وطرق علاجها . كما أنه لابد من ملاحظة ديناميكية التعامل داخل الأسرة فربما تكون الأسرة تنهج أحد سبل التعامل مع الابن بطريقة خاطئة كالإهمال أوالتجاهل أو بالحماية الزائدة والضغط عليه و كلها أمور لابد أن تناقش خلال الخطة العلاجية .
- المجموعات العلاجية: وهذه المجموعات تؤمّن للمتعاطي سبيلا لنقاش محتوى أفكاره ومشاعره كما توفر له فرصة لتعامل مع نماذج سبقته فى رحلة العلاج والاستفادة من خبرات السابقين والمعالجين مع متابعة الإشراف المتواصل .
- المتابعة العلاجية على المدى: لاتنتهى الخطة العلاجية في حالة إدمان المخدر أو سواه سريعآ، لأنها تحتاج دائما إلى عنصر المتابعة مع الطبيب المعالج والفريق العلاجى بانتظام حتى بعد تخلي المدمن عن التعاطي.
- تغيير نمط الحياة وتحمل المسئولية وتحديد الأهداف وقياس مدى الإنجاز منها … كذلك الإهتمام بالعلاقة الروحية الإيمانية بين الشخص وربه فكلها من الأمور التى تساعد وبشدة فى التوقف عن التعاطى . كذلك يستلزم تغيير نمط الحياة أن تكون حافلة بأنماط الترفيه التى تكسب صاحبها ولا تسبب له خسارة. يلزم خلال تغير نمط الحياة البعد عن الأشخاص الخطرة (التى تبيع المواد المخدرة أو سبق أن تعاطى معهم مواد مخدرة) وكذلك عن الأماكن الخطرة (ويقصد بها أماكن البيع أو التعاطى) ويستبدل ذلك بأشخاص آمنه (أشخاص يقدمون العون وقت “نوبات الاشتياق” ويستحيل أن يتعاطى الشخص وهو معهم) أو الأماكن الآمنه (وهى الأماكن التى لا يمكن للشخص أن يتعاطى فيها). ولهذا فإن المعالج يطلب من كل متعافى أن يحدد قائمة بأماكنه الخطرة وبأشخاصه الخطرة وقائمة أخرى بأماكنه الآمنه وبأشخاصه الآمنه كي يساعده على المرور بسلام عبر تلك المرحلة من رحلته.
كتبه لشيزلونج: دكتور شريف درويش
استشاري علاج الإدمان والطب النفسي المدير الفني لمركز ريكافري للطب النفسي وعلاج الإدمان