ماذا تعرف عن متلازمة توريت؟
ماذا تعرف عن متلازمة توريت؟
تنشأ متلازمة توريت نتيجة خلل عصبي وراثي يظهر منذ الطفولة المبكرة. وتظهر أعراضه على شكل حركات عصبية لاإرادية يصحبها متلازمات صوتية متكررة، كما قد يتزامن هذا مع اندفاع الطفل أو الشخص المصاب بنطق ألفاظ بذيئة تخرج منه بشكل لا إرادي.
وعادة ما تعلن متلازمة توريت التي تبدأ مع سنوات الطفولة عن وجودها بظهور حركات لا إرادية في الوجه، قد تسبب الحرج للطفل، فتجعله محط سخرية من الآخرين خاصة مع قلة الوعي بطبيعة هذا الاضطراب الذي قد يتعامل معه المحيطون أو أسرة الطفل المضطرب بوصفه أمرا طارئا أو عاديا يمكن احتواؤه بشي من “التهذيب”، بل قد يحدث ما هو أسوأ من ذلك حين يظن الأهل أو المدرسون بأن الطفل يتعمد الإتيان بهذه الحركات على سبيل جذب الانتباه، ويزداد الأمر سوءا على سوء إذا كان يرافق هذه الحركات خروجُ ألفاظ نابية مندفعة من الطفل الذي لا يستطيع بالفعل السيطرة على لسانه أو التحكم بلغته في لحظة بعينها، وهنا يكون الأمر كارثيا على الطفل الذي قد يتعرض لعقاب شديد من قبل الأهل في المنزل والمدرسين في المدرسة، ويتناسب العقاب مع الحركات التي يقوم بها الطفل والألفاظ النابية التي تصدر منه، فكلما كانت الحركات اللاارادية مزعجة للطرف الآخر، وكلما كانت الكلمات النابية قاسية كان العقاب أشد وكانت كارثة الطفل أكبر
ويبدأ الاضطراب في الظهور عبر عضلات الوجه، خاصة العضلات المحيطة بالعين والفم، وقد تستشري وتصل إلى الرقبة وكذلك إلى الجذع، فيأتي الشخص بحركات لا إرادية في معظم مناطق جسده.
وينتشر الاضطراب بين الأطفال الذكور أكثر من الإناث، حيث تشكل نسبة الاصابة به حوالي 3 : 1 بين الذكور والإناث، كما أنه غالبا ما يترافق مع الإصابة بالوسواس القهري، وإن كان هذا الاضطراب في العموم ليس منتشرا بشكل كبير.
وأهم ما في اضطراب توريت هو التشخيص الصحيح للمرض في وقت مبكر ومنذ ظهور علاناته الأولى وبالتالي التعامل مع الطفل على أساس أنه مريض وبحاجة لعلاج، وألا تتم معاملته بوصفه طفلا سيئ الخلق يحتاج للتربية والعقاب.
فيبي في بلاد العجائب..فيلم يشتبك مع متلازمة توريت
فيلم فيبي في بلاد العجائب أو Phoebe In Wonderland هو دراما عائلية شديدة الحساسية تم عرضها للمرة الأولى في عام 2008. الفيلم المميز والذي يعد من الأفلام القليلة التي تعاملت مع متلازمة توريت من بطولة إيلي فانينج في دور الطفلة “فيبي” المصابة بالاضطراب، وباتريشيا أركيت في دور المعلمة “دودجر” التي تبذل جهدا في مساعدة الطفلة المصابة بمتلازمة ترويت على الخروج من قهر اضطرابها، وهو كتابة وإخراج دانيال بارنز.
ولعله يكون من المثير أن الفيلم يكرّس في أجزائه الأولى حالة من الغموض لدى المشاهد حول ما إذا كانت الطفلة “فيبي” طفلة مصابة باضطراب نفسي أم أنها مجرد فتاة صغيرة غير مألوفة.
فالطفلة “فيبي” كما يقدمها الفيلم طفلة غير مطيعة ولا ملتزمة باتباع القواعد، بل هي أقرب ما يكون لكائن صغير مزاجي لا يستطيع التعامل بشكل طبيعي مع كل الأحداث اليومية.
تستقر حالة “فيبي” قليلا بعد أن تشارك في النشاط المسرحي بمدرستها لتؤدي دورا في مسرحية أليس في بلاد العجائب، التي تقودها “دودجر” مدرسة الدراما غير تقليدية وتساعد “فيبي” طوال الوقت على الشعور بمزيد من الاعتدال.
لكن “فيبي” لا تزال تناضل من وراء الكواليس، إذ تدخل الطفلة في مرحلة من ممارسة طقوس المعاقبة الذاتية ثم تبدأ في الظهور عليها أعراض الوسواس القهري التي تمثلت في تكرار غسل يديها حتى كانت يداها الصغيرتان تتقرحان. كما كانت الطفلة تنهك نفسها بشكل مبالغ فيه في التمرن على أداء دورها المنشود في المسرحية وماتلبث أن تبدأ الحالة في التطور بشكل سريع لتدخل في طور رؤية هلاوس و أصدقاء خياليين.
وكما يتعرض الفيلم لمعاناة الفتاة مع مرضها، ومحاولات مدرسة الدراما لمساعدتها كي تتغلب على مرضها الغامض، يتعرض كذلك لنضال والدي الطفلة “فيبي” من أجل فهم حالتها غير المألوفة لهما. وقد كانت الأم تعتقد أنها هي ذاتها السبب وراء إصابة ابنتها بهذه الحالة إذ إنها كانت تعكف على كتابة نص عن حكاية أليس في بلاد العجائب، وهو الاعتقاد الذي يعكس كثيرا من واقع الآباء والأمهات الذين غالبا يجهلون حقيقة متلازمة توريت وينتابهم شعور عام بالذنب أو بالمسؤولية عن مرض أبنائهم.
في ثنايا الفيلم، تختفي مُدرّسة الدراما الداعمة “دودجر” لأسباب تتعلق بفصلها من المدرسة فيتولى الأطفال مسؤولية الإنتاج المدرسي للمسرحية بدون معلم بعد تشجيع “فيبي” لأقرانها، وهو ما يتزامن مع فهم الأم لحقيقة اضطراب ابنتها والاستعانة بمعالج نفسي متخصص يساعد “فيبي” و العائلة بكاملها على فهم المرض واحتوائه، لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ العائلة.
وربما تكون من العبارات الملهمة في الفيلم هو ما قيل على لسان شخصية المعلمة “دودجر”: ” في بعض الأحيان تعتقد أنك لا تملك الأمل ولكنك تمارسه على أي حال، ومن ثم تعلم أنك كنت تملكة طوال الوقت”
كتبته لشيزلونج: بسمة خالد