Article

عندما يكون الجنس مؤلمًا: عن اضطرابات الجنس المسكوت عنها

1

عندما يكون الجنس مؤلمًا: عن اضطرابات الجنس المسكوت عنها

بحكم عملي في مجال الطب النفسي أتعامل مع طيف واسع من الاضطرابات النفسيه و الشخصيات المختلفه بشكل يومي، و بين الحين و الآخر أقابل نساء يعانين من مشكلات متشابهة و متكررة حول نفس الموضوع الكبير: الجنس. في بعض الأوقات،  يبدو واضحاً على هؤلاء النساء علامات الخوف والقلق التي لا تخطئها العين حيث يشعر العديد منهم بالخوف و ربما الفوبيا من الجنس ويواجهن مشاكل كبيرة في العلاقات الجنسية، و خاصة بسبب صعوبات في الجماع (الإيلاج)، والتي أدت في بعض الحالات إلى عواقب كبيره مثل الطلاق لمره أو لأكثر. ونتيجة لذلك، يعيش العديد من هؤلاء النساء بدون ثقة بالنفس و يعانين من إحساس غير مكتمل بالأنوثة. أدركت مؤخراً أن هذه المشكلة أكثر شيوعًا مما كنت أعتقد في البداية، وبدأت أتساءل: هل هناك اضطراب يفسر الألم والضيق النفسي المرتبط بالعملية الجنسية لدى النساء؟ الإجابة، نعم. ولكن هل هناك دراسات و أبحاث كافية و مقالات حول هذا الموضوع، خاصة بين النساء العربيات؟ للأسف، لا.

لماذا لا يتكلم أحد عن آلام الجنس؟

تشير الدراسات الى ان اضطراب الإيلاج (ألم الحوض الذي يصاحب العملية الجنسية) يؤثر على ما يقرب من 28% من النساء، ما يعني أن حوالي واحده من كل ثلاث سيدات تعاني من هذا الألم (1)، لكنها وفي أغلب الأحوال تعاني في صمت. ينظر المجتمع إلى المتعه الجنسية كرفاهية لا تستحق الاهتمام. و تؤدي هذه النظره للجنس إلى اضطرابات خفيه في العلاقات الزوجية تؤثر سلباً على التواصل بين الأزواج و قد تؤدي إلى الانفصال بعض الأحيان.

إذا كان هذا الاضطراب واسع الانتشار، فلما لا يتحدث عنه أحد اذاً؟

رغم أهمية وجود الحوار بين طرفي أي علاقة، إلا أن الحوار يبدو خياراً غير مطروح عندما يتعلق الموضوع بالمشاكل الجنسية حتى في المجتمعات الغربية. أحد الأبحاث تشير إلى أن أسباب ذلك متنوعة و من بينها الخوف من إن النقاش حول تلك المشاكل قد يهدد العلاقه أوينقص من رضا أحد الزوجين عن الآخر، لكن الأهم من ذلك، هو الخوف من أن يؤثر ذلك سلباً على صورة المرأه الذاتية self-image إذا قامت بالحديث عن مشاكلها أثناء الجنس (2) ، و كنتيجة لذلك، يصبح الصمت هو الاختيار المفضل. و قد تمضي السنوات بالمرأه بينما تظن أن آلام الجنس شئ حتمي بل و ربما طبيعي، و لا تتوجه للطبيب إلا إذا كان الألم شديد و غير محتمل أو إذا أثر هذا الألم على فرص الحمل.(3)

على مستوى أوسع، تُعتبر الثقافة الجنسية والتعليم الجنسي في مجتمعنا من التابوهات التي لا يقترب منها الكثير. وبالتالي، يصبح المصدر الوحيد للمعلومات (غير الموثوقة على الأغلب) هو الأصدقاء والمجتمع. أسباب ذلك مفهومة و متعددة ومن بينها: الشعور بالحرج، نقص المعلومات الصحية، عدم وجود طبيبة أنثى في المحيط القريب، أوعدم وجود أطباء مختصين يمكن الوصول إليهم بسهوله لعلاج مثل هذه المشكلات الجنسية من منظور عضوي و نفسي. (4)

ما هو اضطراب الإيلاج أوالألم الحوضي – التناسلي؟

يُعرِّف الدليل التشخيصي للأمراض النفسية  (DSM-5) الذي تصدره الجمعية الأمريكية للطب النفسي (1) اضطراب الإيلاج أوالألم الحوضي – التناسلي بأنه وجود لواحد أوأكثر من الأعراض التالية لمدة تقارب ستة أشهر:

  1. شدّ عضلي ملحوظ لعضلات قاع الحوض أثناء الإيلاج (التشنج المهبلي).
  2. ألم ملحوظ أثناء الجماع المهبلي أوأي محاولات للإيلاج (ألم الجماع).
  3. صعوبة ملحوظة في الإيلاج ، أوأثناء الفحوصات المهبلية، أوحتى مع استخدام السدادات القطنية في الدورة الشهرية.
  4. خوف أوقلق شديد قبل أو أثناء أو بعد الإيلاج المهبلي.

بداية هذه الاعراض قد تكون مع أول ممارسه للجنس، أوقد تظهر لاحقا. يبدو مهمًا في تعريف هذا الاضطراب أيضا أن يكون نتيجة لأمراض طبية اخرى أوناتج عن إدمان أحد المواد المخدرة، و ألا يكون ذلك بسبب مشكلات في العلاقات أومشاكل حياتية. أعراض هذا الاضطراب تؤدى إلى مستويات عالية من التوتر والإحساس بالضيق لدى المرأة، و يزيد منها الضغط الذي تمارسه المجتمعات على الأزواج من أجل الحمل في أقرب وقت بعد الزواج. (5)

الأسباب و عوامل الخطورة

الجنس هو ظاهرة بيولوجية و نفسية و اجتماعيه في نفس الوقت. لذا، فالأسباب و العوامل المتعلقة بهذا الاضطراب متداخلة و يمكن تقسيمها إلى عوامل عضوية أوعوامل نفسية و اجتماعية. (6)

العوامل العضوية: يمكن للعديد من العوامل أن تسبب أوتفاقم هذا الاضطراب، مثل الأمراض الجنسية المعدية، أمراض الجلد، الاختلالات الهرمونية، استخدام بعض موانع الحمل ، والتشوهات الخلقية في الأعضاء التناسلية مثل غشاء البكارة غير المثقوب (imperforate hymen)، أوغياب المهبل (vaginal agenesis)، الخ.

العوامل النفسية و الاجتماعية: من الضروري أن نفهم أن عضلات الحوض المسؤلة عن عملية الجماع و الإيلاج تتفاعل بشكل عاطفي مع الضغوط النفسية المحيطة، بهذ المعنى يزداد الشد العضلي إذا زاد القلق و التوتر في الحياة اليومية نتيجة لمشاكل حالية أوسابقة. و لذا، تُظهِر الدراسات أن اضطراب الإيلاج شائع أكثر بين النساء اللاتي تعرضن للعنف في وقتٍ ما من حياتهن سواء كان عنف جنسي، أوجسدي، أوعاطفي. و يشيع وجود هذ الاضطراب في النساء التي تعاني من اضطرابات مثل القلق و الاكتئاب.

أحد الأبحاث النفسية حاولت فهم هذا الاضطراب على أنه حلقة دائرية مفرغة ( كما هو موضح في الصورة بالأسفل) حيث تؤثر العوامل البيولوجية والنفسية على بعضها البعض. تبدأ الدائرة بتجربة مؤلمة أولية (pain experience) تؤدي إلى تهويل الألم (catastrophizing)  مما يزيد بدوره من انتباه الجسد و يصبح و كأنه في حالة تربص و خوف مستمر (increased body alertness) ، و يكثف ذلك بالطبع من المشاعر السلبية (negative feelings) مثل الخوف. و ينتج عن هذا الخوف أوالفوبيا في بعض الأحيان تجنب الجنس و الإيلاج (penetration avoidance) جزئياً أوكلياً. وتتفاقم هذه الدورة بسبب زيادة التوتر و الشدّ في عضلات قاع الحوض  (increased muscle tesnsion)، مما يؤدي بالتبعية إلى ضعف الإثارة الجنسية وتقليل الترطيب أسفل المهبل (decreased genital excitement & lubrication) ، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الألم مره اخرى، و هكذا تكرر الدورة نفسها من جديد. (7)

احجز جلسة مع معالج يمكنه مساعدتك فيما يتعلق بهذا الموضوع
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية

A diagram of a person with her hand on her forehead

Description automatically generated

كيف يتم علاج اضطراب الإيلاج؟

يتطلب التعامل مع اضطراب الإيلاج مزيجًا من العلاجات المختلفه حسب احتياجات كل امرأة. قد تتضمن هذه العلاجات الأدوية الطبية، الجراحة، أوعلاجاً نفسياً. (6) الخطوة الأولى نوصي بها هي زيارة طبيب النساء لاستبعاد أوعلاج أي أسباب عضوية، ثم زيارة الطبيب النفسي في حال عدم وجود أي أسباب عضوية

علاج أسباب الألم

إذا تمكن الطبيب من تحديد سبب معين للألم، سيكون العلاج موجهًا لمعالجة تلك المشكلة الأساسية. قد تساعد الخيارات مثل المواد المرطبة، أوبعض أدوية التخدير الموضعي، أوالكورتيزون في تخفيف الألم. في بعض الحالات الشديدة تحتاج بعض النساء إلى التدخل الجراحي.

العلاج الطبيعي لعضلات الحوض

قد ينصحك الأطباء أيضًا بالعلاج الطبيعي لعضلات قاع الحوض، والذي يساعد في تقليل الشد العضلي ويحسن من التحكم في العضلات. يمكن أن تساعد بعض تمارين الاسترخاء أيضاً في جعل الإيلاج أكثر راحة و سهولة.

العلاج النفسي

يلعب العلاج النفسي و خصوصا العلاج السلوكي المعرفي (CBT) دورًا حيويًا  للكثير من النساء التي تعاني من هذا الاضطراب، خاصةً عندما تساهم العوامل النفسية أوالمشاكل في العلاقات في زيادة الألم. يساعد العلاج السلوكي المعرفي على إعادة تشكيل الأفكار والسلوكيات السلبية، ما يؤدي بدوره إلى تخفيف الشد العضلي و الألم المصاحب للإيلاج.

في الأخير، و على الرغم من أن اضطراب الإيلاج قد يمثل تجربة صعبة ومؤلمة على المستوى الجسدي و النفسي للعديد من النساء، فمن المهم أن نتذكر أن المساعدة الطبية متاحة و تعلب دوراً شديد الأهمية. يمكن أن تؤدي المساعدة من المختصين إلى الحصول على العلاج الفعال الذي يمكن للعديد من النساء التغلب على هذه الآلام، واستعادة حقهن في الصحة الجنسية، الاستمتاع بعلاقة أكثر سعادة و راحة.

المراجع

  1.     APA – DSM – Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders. https://www.appi.org/products/dsm.
  2.     Rehman, U. S., Balan, D., Sutherland, S. & McNeil, J. Understanding barriers to sexual communication. https://doi.org/10.1177/0265407518794900 36, 2605–2623 (2018).
  3.     Carter, A. et al. ‘Fulfilling His Needs, Not Mine’: Reasons for Not Talking About Painful Sex and Associations with Lack of Pleasure in a Nationally Representative Sample of Women in the United States. J Sex Med 16, 1953–1965 (2019).
  4.     Alselaiti, M., Saleh, M. A., Muhammed, H., Attallah, E. & Dayoub, N. Prevalence of Female Sexual Dysfunction and Barriers to Seeking Primary Health Care Treatment in an Arab Male-Centered Regime. Open Access Maced J Med Sci 10, 493–497 (2022).
  5.     Muammar, T. et al. Management of vaginal penetration phobia in Arab women: a retrospective study. Ann Saudi Med 35, 120 (2015).
  6.     Dias-Amaral, A. & Marques-Pinto, A. Female Genito-Pelvic Pain/Penetration Disorder: Review of the Related Factors and Overall Approach. RBGO Gynecology & Obstetrics 40, 787 (2018).
  7.     Basson, R. The recurrent pain and sexual sequelae of provoked vestibulodynia: a perpetuating cycle. J Sex Med 9, 2077–2092 (2012