زوجة رجل مهم، أم زوجة نرجسي؟
زوجة رجل مهم، أم زوجة نرجسي؟
أن تكوني في علاقة مع نرجسي:
كانت “م” تشعر في كل لحظة أن زوجها يحتل كيانها بالكامل، يُعاملها بسلطة مبالغ فيها، يقلل من كل أفعالها وكلامها، وغير مسموح لها على الإطلاق توجيه أي انتقاد له.
كانت ترى موجات غضبه العارمة إذا تعرض له مديره بالعمل أو أحد زملائه بكلمة غير لائقة –من وجهة نظره- وكانت ترى رغبته المستمرة بإبهار من في محيطهم الاجتماعي سواء كانوا من طرفها أو طرفه بجهود مبالغ فيها من إعداد الولائم الهائلة لتقديم الهدايا المادية وبذل الاهتمام الزائف، في وقت تعرف هي فيه جيدًا من حواراته الخاصة معها أنه يحتقرهم جميعًا!
هي نفسها كانت تتعرض للتحطيم المعنوي التام منه، إذ كان يقلل من ثقتها بنفسها وجمالها وعقلها، بكلمات بالغة القسوة، ومواقف مؤلمة لا يشهدها سواهما، في الوقت الذي كان يحدّث من حوله كيف أنها الأجمل والأنضج من بين النساء، فقط لكي يكون حصل هو -في نظرهم- على أفضل الزوجات على الإطلاق، فقد كانت تلعب دور الوردة المعلقة في “عروة الجاكتة” دون أن تدري، وقطعًا لم يكن يخطر في بال “م” أنها قد وقعت فريسة لشخص نرجسي.
نمط علاقات الشخصية النرجسية
اضطراب الشخصية النرجسية، هو واحد من عدة أنواع من اضطرابات الشخصية، وهو حالة نفسية يُعاني صاحبها من شعور مبالغ فيه بأهميته الخاصة، ويكون لديه احتياجٌ عميق للاهتمام والإعجاب المفرطين من قبل المحيطين بهم، ومن يتعامل معهم. تتصف علاقات الشخص النرجسي بكونها علاقاتٍ مضطربة، لا يتعاطف خلالها النرجسي مع الآخرين، لأن الأهم من الآخرين على الإطلاق هو ذلك الصنم الذي يشيده لنفسه ويسعى بشتى الطرق لإلزام الآخرين بالاستجابة له بالتبجيل المبالغ فيه أو على أقل تقدير الانبهار والإعجاب الشديدين.
ووراء هذا القناع من الثقة الشديدة، فإن الشخصية الحقيقية للنرجسي هي شخصية شديدة الهشاشة كتمثال من الرمال قد يتحطم أمام التعرض للانتقادات أو إحساس الرفض من الآخرين، لذا فهي أشباحه التي يحاربها بشدة.
وعادة ما يواجَه النرجسي بإحباطات عميقة في العلاقات أو مجالات العمل والدراسة، خاصة حينما لا يحصل على الإعجاب والمزايا الاستثنائية التي يعتقد أنه جدير بها على الدوام، فهو يجد صعوبة حقيقية في التعامل مع ما يعتبره انتقادًا، فيواجه القريبون منه موجات غضبه العارمة حينما لا يحصل على المعاملة الخاصة التي يتوقعها كما يرسمها خياله بالضبط! كما أن لديه مشاعر سرية مستمرة من انعدام الأمان والعار والضعف والإذلال.
كان زوج “م” يتركها نهبة لكم هائل من المشاعر لم تكن – لكثافتها وتطرفها – تسمح لها في التفكير بحالته على حقيقتها، فكانت دومًا منشغلة بما يُقنعها زوجها أنها مشاكلها الذاتية (فيما هو يحاول في حقيقة الأمر تحطيم صورتها الذاتية لتتضخم صورته في مقابلها) وهي في الأغلب الأزمة التي يقع بها المحيطون بالشخص النرجسي، وخاصة شريكة حياته التي تظل أسيرة الحيرة!
ويزيد من تلك الحيرة كون الشخص النرجسي حاد الذكاء، يعرف جيدًا كيف يتلاعب بالمشاعر ويعزف على أوتارها سيمفونية محيّرة لا تستطيع فك شفرتها المتأرجحة بين لطفه الشديد ورومانسيته المفرطة من جهة، ومن جهة أخرى مواقفة القاسية التي يرمي بها إلى تحطيمها التام، بالإضافة إلى موجات الغضب والحنق التي يأتي لها بها من الإحباطات التي تتولد لديه من علاقاته المضطربة مع العالم خارج جدران المنزل.
وتختلف أعراض وعلامات اضطرابات الشخصية النرجسية من شخص إلى الآخر، كما أن درجة حدّة الأعراض ذاتها تختلف من شخص لآخر، ومن هذه الأعراض: أن يكون لدى الشخص شعور مبالغ فيه بأهميته الذاتية، الشعور الدائم باستحقاق المزايا الدائمة والإعجاب المستمر، يجب أن يشعر النرجسي بتفوقه الدائم حتى وإن لم يقدم الإنجازات الكافية لاستحقاق هذا التفوق، مما يجعله يُضخم دومًا من الأعمال والإنجازات التي يقوم بها حتى وإن كانت في حقيقتها أعمالا بسيطة، لذلك دومًا ما يميل النرجسي إلى الاحتقار والتحطيم المعنوي للأشخاص المحيطين به، كما أنه يميل لإحاطة نفسه بالشخصيات المرموقة وبالأثرياء وذوي الشأن والاستقواء بهم بل وعليهم متى استطاع إلى ذلك سبيلا.
كذلك فإن النرجسي غالبًا ما يحاول استغلال المحيطين به والاستفادة المادية والمعنوية منهم بأقصى درجة ممكنة، فهو دومًا مشغول بالحصول على أفضل شيء من كل شيء: أفضل سيارة/ منزل/ عمل/ زوجة، والجميع من وجهة نظره موجود لخدمة كيانه الشخصي والإعجاب التام بهذا الكيان وإظهار الانصياع الكامل له.
وبتكوينه هذا، فإن النرجسي واقع تحت ضغوط نفسية مستمرة، كما أنه يتألم بشدة لدة تعرضه لأقل انتقاد، ويواجه الإحباط بلا توقف نتيجة الفجوة بين صورته الذاتية الزائفة وصورته التي يراه عليها الآخرون، وهو ما يجعله عرضة أكثر من سواه لأمراض نفسية على هامش اضطراب شخصيته، مثل الخوف المرضي (الفوباي) بأنواعه، والاكتئاب، والإدمان على المواد المخدرة.
زوجة رجل مهم أم زوجة نرجسي؟!
قياسا على ما ذكرنا، هل يمكنا القول إن شخصية أحمد زكي في فيلم “زوجة رجل مهم” هي الشخصية الأقرب التي قدّمتها السينما المصرية لاضطراب الشخصية النرجسية؟
ربما نعم! فملامح الشخصية تتفق إلى درجة كبيرة مع أعراض الاضطراب. فالعمل الذي تم إنتاجه عام 1988، بطولة أحمد زكي وميرفت أمين، وإخراج محمد خان، يُقدم شخصية الضابط الذي تمكنت السلطة من إحكام زهوها وغرورها حوله، حتى أصبح لا يرى سوى نفسه، ولا يستطيع أو يقوى على مواجهة الانتقاد بل ويواجهه دومّا بالعنف والصراخ والرغبة في تكسير كل ما حوله. المتألم الحقيقي في هذا المشهد كان زوجته التي نسج شباكه في البدء حولها بجرعات رومانسية مبالغ فيها حتى أصبحت تتأرجح طوال فترة زواجها بين سخطه ورضاه عليها، بين محاولة بروزتها أمام الناس كتحفة نفيسة، حصل عليها بذكائه البالغ الذي اكتسبه من عمله في المباحث والذي مكنّه من انتقائها واقتنائها، ثم حنقه عليها وتحطيمه المعنوي لها حين يكونان بمفردهما بين جدران بيتهما.
لا يستطيع الشخص النرجسي بسهولة اللجوء إلى طبيب نفسي من أجل المساعدة بخصوص مشكلته، ربما يلجأ إليه لمشكلات أخرى مثل الإكتئاب مثلًا، لكنه لا يستطيع التصريح بأي عرض يقلل من ذاته من وجهة نظره، في هذه الحالة يجب على المحيطين المساعدة لأنهم أكثر قدرة على اكتشاف المرض منه، ومن الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها المحيطون بالشخص النرجسي وخاصة الزوجات هو الاعتقاد بالقدرة على تغيير صاحب الشخصية النرجسية، فمواجهته باضطراب الشخصية الذي يعاني منه سيزيد من عناده ومقاومته للتغيير، وهو أمر نابع من عدم قدرته على تحمل النقد، إذ يعتقد في النهاية أنه أفضل من كل من هم حوله، لذلك يجب مساعدته باستخدام خطة تحاول فقط أن تُمكنه من قبول المساعدة بالعلاج النفسي.
كتبته لشيزلونج: نيرة الشريف
مقال محترم و لكن هل بيبقي دي قصة حقيقية ام تمثيل للشخصية ؟