“الحُضن”.. قوة لا يستهان بها
“الحُضن”.. قوة لا يستهان بها
الجلد أكبر عضو في أجسامنا، والأسرع نمواً كذلك. فهو يتجدد بمعدل مذهل، حيث تتكون طبقة جديدة منه كل شهر. يدافع الجلد عن جسمنا ضد العالم الخارجي، وهو وسيلة تواصل بين العالم الخارجي، والدماغ. فقد صممت أطراف أصابعنا، وباطن أقدامنا وشفاهنا لجمع المعلومات الحسية على نحو أكثر دقة، وهي تحوي عددا مكثفا من النهايات العصبية فقط لهذا الغرض. ويُحدث العناق استجابة متطورة من أجسامنا تمتد من بشرتنا التي تتلامس أثناء العناق أو تبادل الأحضان إلى قلوبنا فتمدها بالدفء وتجعلنا نشعر بقدر من الارتياح.
كيف تستجيب أجسادنا للعناق؟
اكتشف الباحثون أنه عندما نتعرض للإجهاد، تتفاعل أجسامنا من خلال إنتاج هرمون الكورتيزول. ويفرز هذا الهرمون عندما نشعر بالتوتر، ويبطئ من فاعلية عملية الشفاء، بينما يخلق “ومضات” أو تصورات سلبية عن الظروف التي نريد تجنبها في المستقبل.
وعندما نتعرض للرفض الاجتماعي كذلك يتم إفراز الكورتيزول وتجعلنا آثاره أكثر استعدادًا لتكوين صداقات وبناء علاقات جديدة بحثا عن شيء من الراحة وهو ما قد يفسر ذلك الصداقة الحميمة التي تتطور بين الجنود العسكريين أو الأشخاص العالقين في المصعد معاً، وكذلك العلاقة المجتمعية التي نشعر بها مع الآخرين عندما تحدث كوارث طبيعية؛ فالضغوط تدفعنا إلى البحث عن تحالفات داعمة مع أولئك الذين يمكنهم حمايتنا، أو على الأقل تهدئة مخاوفنا أو شعورنا بالألم.
عندما يرى معظمنا آخرين في محنة، نبدأ في التعاطف فنسعى للتواصل لتهدئة المتألمين، سواء كانوا ضحايا للإرهاب أو كارثة أو المشاحنات اليومية التي تسبب وجع القلب أو الإجهاد. وبمجرد التواصل وعرض يد المساعدة، أو تقديم ربتة على الظهر، أو الاحتضان، فإنك تحفز الجسم لإنتاج مرتفع من الأوكسيتوسين الطبيعي، وهو مادة كيميائية عصبية تساعد الأشخاص على بناء الثقة، و “تمسح” على نحو ما الذاكرة قصيرة الأمد، وهو ما يجعلك تشعر ولو مؤقتا بالدفء والود.
وتظهر الدراسات أن حتى لمسة قصيرة من يد شخص مهتم أو متعاطف يمكن أن تحفز إفراز الأوكسيتوسين لديك. لذلك عندما تعانق شخصًا ما يتألم، أو تتلقى عناقًا كبيرًا بينما تشعر بالألم، فأنت لا تبدأ عملية الشفاء وحسب، بل تسمح أيضًا لجسمك بإيقاف الذكريات المؤلمة. فعلى سبيل المثال، تخف وطأة ذكريات الأم الجديدة عن المخاض بمجرد أن يوضع وليدها في ذراعيها، بعد أن يندفع الأوكسيتوسين عبر جسدها.
كيف يغير العناق من حياة شخصين؟
إذا كنت تتبرع لمؤسسة خيرية، فأنت غالبًا تختبر مشاعر الفخر والارتياح، فقد فعلت شيئًا جيدًا وهذا يجعلك تشعر بالرضا. وفي المقابل، فإننا عندما نرى أشخاصًا يتألمون، يستجيب معظمنا بشعور من التعاطف فنشعر بألم الشخص المصاب كما لو كنا مكانهم ونبدأ دون وعي في اختبار مشاعر هذا الآخر وقد نحتاج إلى عناق كبير بقدر ما يحتاجه الشخص المتألم.
وعليه فالعلماء يؤكدون أن الاتصال بالتلامس ضروري لصحتنا النفسية والعامة؛ فقد أظهرت الأبحاث أن “الجوع الجلدي” موجود بالفعل، ولا يتم إشباع هذا النوع من الجوع إلا بإفرازالأوكسيتوسين الذي تفرزه أجسامنا عندما يلمسنا شخص آخر عطوف. فأجسامنا تعمل على توفير الراحة البدنية والاستجابة لها، لذلك في المرة القادمة عندما ترى شخصًا يشعر بالألم أو تشعر وكأن العالم ينهار حولك، استعد للعناق. فعملية الشفاء تبدأ بلمسة وحضن.. الأمر بهذه البساطة.
ترجمته لشيزلونج: دعاء عبد الباقي