Article

بعض تجارب الأمومة غير “مطابقة للمواصفات”..عرض فيلم Room

Room photo 2 1

بعض تجارب الأمومة غير “مطابقة للمواصفات”..عرض فيلم Room

 

فيلم “غرفة” أو Room  هو واحد من الأفلام المؤلمة والملهمة التي تسير بإيقاع هادئ قد يغريك بالإفلات من دائرته في بعض اللقطات، لكنه غالبا سينجح في إثارة بعض الأفكار العميقة في رأسك حتى وإن كان من خلال متابعة بعض مشاهده فقط، وسيزيد الأمر حدة، بل إن الفيلم قد يختطفك بالكامل إذا كنتِ امرأةً مرّت أو تمر بتجربة الأمومة…لكنكِ حتما ستحسين نفسك جزءا من الفيلم ذاته إذا كنت امرأة وأما تخوضُ تجربة أمومة ذات صعوبات خاصة، كأن تكونين أما وحيدة مثلا، أو أما لطفل ذي إعاقة، أو أما تحيط بك وبصغيرك بيئة غير آمنة لأي سبب كان..حينها فإنك على الأرجح ستتوحدين مع الحكاية بكل ذرة في تكوينك.

***

  • أين نذهب حين نكون نائمين؟
  • هنا في الغرفة
  • لكن في الأحلام؟ هل ندخل إلى التلفزيون كي نحلم؟ هل ندخل إلى التلفزيون كي نحلم؟
  • لا..نحن لا نذهب إلى أي مكان خارج الغرفة.

 

من حوار بين الأم وطفلها في فيلم “غرفة” – 2015

***

الفيلم المستوحى من قصة حقيقية، والذي ترشح لعدد من جوائز الأوسكار، يأخذك إلى عالم ضيق جدا في مساحته المادية، رحب جدا في مساحاته القيمية والوجدانية إذ يحكي حكاية امرأة شابة اختطفت في مراهقتها واحتجزها خاطفها في غرفة في مكان ما لسبع سنوات، ليغتصبها على مدار السنوات مرة بعد مرة حتى تصبح أما في نفس هذا الحيز الضيق للغاية، غرفة الاحتجاز.. يكبر طفلها “جاك” حتى يصل لعمر الأسئلة الصغيرة المرهقة عن الوجود والحياة والكائنات والأحلام والحب والغضب والحرية، يكبر “جاك” ويكبر فضوله إزاء عالم هو لا يعرف عنه ولا منه إلا ذلك الحيز الصغير: غرفة…يكبر لكنه لا يدري أن وراء جدران الغرفة عالما فسيحا فيه أشياء من تلك التي تحكي عنها أمه ولا يعرف لها ملمسا ولا رائحة، كالكلاب والنباتات والأناس الطيبين الذين لا يغتصبون أمه!Room Photo

ويظل الطفل ذو الأعوام الخمسة الذي عجزت أمه حتى ذلك العمر عن فطامه (نظرا لالتصاقهما وحميمية العلاقة التي نشأت وتطورت بينهما في عالم خاص مغلق خال تقريبا مما عداهما من الكائنات الحية) يظل يثير التساؤلات ويتلقى الإجابات التي تقنعه بأن العالم هو الغرفة فقط، حتى تأتي اللحظة القاسية التي تقرر فيها الأم أن تخبره بحقيقة الوجود خارج الغرفة، فيرتبك وعيه ويدخل في حالة من عدم التصديق والرغبة في محو المعرفة الجديدة المؤلمة التي اكتسبها على غير إرادة منه.

  • كاذبة..كاذبة
  • “جاك”..لم يكن بمقدوري أن أخبرك بحقيقة الأمر لأنك كنت صغيرا جدا فكان عليّ أن أختلق القصص..أما الآن أنت كبير بما يكفي لأن تعرف..أنت الآن في الخامسة من عمرك ويجب أن تساعدني لنخرج من هنا.
  • ألا يمكن أن أرتد للرابعة من عمري مجددا؟

تدوم أزمة الصغير لبعض الوقت، يتفقد الغرفة ويحاول أن يقنع نفسه بأن عالمه الصغير هذا كاف ولطيف وأن الحيوانات والأسماك والبحار والأشخاص الذين يراهم في الصور الملونة وعلى شاشة التلفزيون الصغير ف الغرفة هي ليست من نسج الخيال، بل هي كائنات حقيقية تعيش في عالم فسيح لم يكن قادرا على تصوره. ثم جاءت اللحظة التي بدأ فيها الصغير يمتثل للفكرة ويناقش أمه في احتمالات الهروب إلى ذلك العالم الأوسع الذي يثير حماسته وفضوله وخوفه في آن.

احجز جلسة مع معالج يمكنه مساعدتك فيما يتعلق بهذا الموضوع
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية
( المراجعات)
عرض الصفحة الشخصية

تخطط الأم وقد أخرجت طفلها خارج خانة الحالة الآمنة التي اجتهدت 5 سنوات كاملة لتكرسها رغم زيفها، تخطط للهروب بإقناع خاطفها أن صغيرهما قد مات بالحُمّى وأن عليه أن يتخلص من جثته، فتؤمن بذلك هروب الصغير خارج الجدران الضيقة ملفوفا في سجادة الغرفة.

وبالفعل وبمساعة الشرطة الأمريكية (التي تنجح السينما الأمريكية دوما في جعلها مصدرا للأمان ووجها إنسانيا للضبط) ينجح الصغير في العودة إلى الغرفة لينقذ أمه لنبدأ معهما رحلة التعافي من خلال الشطر الثاني من الفيلم، حيث يعودان إلى بيت العائلة، وحيث يعيدان التعرف على نفسيهما وتشكيل علاقتهما بصورة أكثر توازنا دون أن ينسى أي منهما كيف جمعتهما تجربة أمومة وبنوة خاصة جدا.

في مرحلة التعافي، يعاودان سويا زيارة الغرفة التي هربا منها بعد القبض على الخاطف المغتصب، ويلجآن للعلاج النفسي، وتبدأ الأم في تهيئة ابنها لفكرة الفطام الذي تأخر طويلا، كما تنفجر غاضبة للمرة الأولى في وجه أمها على سبيل إخراج ما في نفسها مع عتب على الأم التي أهملتها في مراهقتها حتى أسلمتها لذاك المصير المخيف.

 

يرهقك فيلم “غرفة” وأنت محبوس مع الأم وصغيرها في حيز ضيق، تقنع نفسك مع الصغير تارة أن الغرفة الصغيرة الآمنة عالم جدير بالانتماء والاكتفاء، فتجوب مع الكاميرا في الحيز الضيق ما بين مختنق وآمن، ثم تعود فتتلبسك روح الأم بما لديها من معرفة يقينية بأن العالم أضخم وأجمل ( وأقبح أيضا ) من الغرفة الصغيرة، فتصاب معها بنوبات الكآبة التي لن تلبث أن تتحداها أيضا معها مستلهما طاقة الحب التي يخلفها لديك اعتماد كائن صغير ضعيف عليك فتبدأ في التفكير في كيف تخفف عليه وطأة الضيق في عالمه، وكيف تقنعه دون أن تقسو عليه بأن هناك ما يستحق أن يحارب كثيرا لأجله.

 

——————————————–

إذا كانت لديكِ مشكلات تتعلق بتجربة الأمومة أو علاقتك بصغيرك أو البيئة المحيطة بكما، قد يكون من المهم أن تطلبي الاستشارة النفسية المتخصصة. لا تترددي في التواصل مع فريق أطباء شيزلونج